قراءة فى كتاب قطيعة الرحم
الكتاب من تأليف محمد بن إبراهيم الحمد وهو يدور حول قطيعة الرحم كما قال الحمد فى مقدمته:
"قطيعة الرحم من الأمور التي تفشت في مجتمعات المسلمين، خصوصا في هذه الأعصار المتأخرة التي طغت فيها المادة، وقل فيه التواصي والتزاور، فكثير من الناس-والله المستعان-مضيعون لهذا الحق مفرطون فيه "
وبين الناس فى القطيعة أنواع فمنهم قاطعها دون أى وصل وهناك من يواصل بقدر الآخرين وهناك من يواصل من قاطعوه فقال:
"ولقطيعة الرحم مظاهر عديدة; فمن الناس من لا يعرف قرابته بصلة; لا بالمال، ولا بالجاه، ولا بالخلق، تمضي الشهور، وربما الأعوام، وما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بصلة، أو هدية، ولا دفع عنهم حاجة أو ضرورة أو أذية، بل ربما أساء إليهم بالقول أو الفعل، أو بهما جميعا
ومن الناس من لا يشارك أقاربه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدق على فقيرهم، بل تجده يقدم غيرهم عليهم في الصلات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم ومن الناس من يصل أقاربه إن وصلوه، ويقطعهم إن قطعوه، وهذا-في الحقيقة-ليس بواصل، وإنما هو مكافئ للمعروف بمثله، وهذا حاصل للقريب وغيره; فإن المكافأة لا تختص بالقريب وحده والواصل-حقيقة-هو الذي يصل قرابته "، سواء وصلوه أم قطعوه; ولهذا قال النبي":ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها""
وكان من المفترض أن يعرف الحمد قطيعة الرحم فقطيعة الرحم لا تعنى فى القرآن المعنى المعروف الشائع عند الناس وهو زيارة الأقارب والوقوف بجانبهم وإنما عصيان الوحى الإلهى الذى هو وسيلة الوصول إلى رحمة الله ومعنى العصيان الفساد فى الأرض أى نقض الميثاق وفى هذا قال تعالى :
"الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون"وقال:
"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم"
وكان يجب على الرجل أن يبين أحكام بر الأقارب ومعاداتهم فى القرآن وهى :
أن من يجب مواصلتهم من الأقارب هم المسلمين والمعاهدين الذى لم يعتدوا على المسلمين بأى شكل من الأشكال كما قال تعالى:
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين "
وأما الأقارب المعتدين الكفار فيجب قطيعتهم نهائيا حتى يسلموا او يتوبوا من الاعتداء ويسالموا المسلمين كما قال تعالى:
"إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"
وقال فى عداوتهم ومقاطعتهم:
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان"
واعتبر من يحب أقاربه الكفار كافر أى فاسق من قال:
"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين"
ويجب أن نفرق بين نوعين من القطيعة :
الأول القطيعة بسبب الظروف المادية فمثلا هناك بعض الناس لا يملكون مالا للذهاب إلى أقاربهم فى البلاد البعيدة فهذه القطيعة لا تعتبر قطيعة لأن الظروف المالية القاهرة تمنع الإنسان من القيام بالواجب
الثانى القطيعة من النفس دون وجود سبب قاهر وهذه هى القطيعة المحرمة
وتحدث الرجل عن مظاهر أخرى فقال:
"ومن مظاهر قطيعة الرحم أن تجد بعض الناس ممن آتاه الله علما ودعوة-يحرص على دعوة الأبعدين، ويغفل أو يتغافل عن دعوة الأقربين، وهذا لا ينبغي; فالأقربون أولى بالمعروف، قال الله-عز وجل-لنبيه(ص):"وأنذر عشيرتك الأقربين " ومن مظاهر القطيعة أن تجد بعض الأسر الكبيرة قد نبغ فيها طالب علم، أو مصلح، أو داعية، فتراه يلقى القبول والتقدير من سائر الناس، ولا يلقى من أسرته إلا كل كنود وجحود; مما يوهن عظمه; ويوهي قواه، ويقلل أثره ومن مظاهر القطيعة، تحزيب الأقارب، وتفريق شملهم، وتأليب بعضهم على بعض هذا "
وما ذكره من أمر الدعوة خارج القطيعة لأن الدعوة واجبة للكل وبيس للأقارب وحدهم أو للأباعد وحدهم وكذلك حكاية كراهية الداعية القريب لأنم الكراهية جائزة الوقوع بين المسلمين كما قال تعالى "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا "
وقد عدد الرجل أسباب القطيعة إلى عشرين سببا ولا يوجد سوى سبب واحد وهو مشيئة النفس الكفر كما قال تعالى " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ويدخل ضمن الكفر الكثير مما قاله وهو :
"وسيأتي مزيد بيان لمظاهر القطيعة عند الحديث عن أسبابها إذا نظرت إلى قطيعة الرحم، وجدت أنها تحدث لأسباب عديدة تحمل على القطيعة; منها:
1-الجهل: فالجهل بعواقب القطيعة العاجلة والآجلة يحمل عليها، ويقود إليها، كما أن الجهل بفضائل الصلة العاجلة والآجلة يقصر عنها، ولا يبعث إليها
2-ضعف التقوى: فإذا ضعفت التقوى، ورق الدين لم يبال المرء بقطع ما أمر الله به أن يوصل، ولم يطمع بأجر الصلة، ولم يخش عاقبة القطيعة
3-الكبر: فبعض الناس إذا نال منصبا رفيعا، أو حاز مكانة عالية، أو كان تاجرا كبيرا-تكبر على أقاربه، وأنف من زيارتهم والتودد إليهم; بحيث يرى أنه صاحب الحق، وأنه أولى بأن يزار ويؤتى إليه
4-الانقطاع الطويل: فهناك من ينقطع عن أقاربه فترة طويلة، فيصيبه من جراء ذلك وحشة منهم، فيبدأ بالتسويف بالزيارة، فيتمادى به الأمر إلى أن ينقطع عنهم بالكلية، فيعتاد القطيعة، ويألف البعد
5-العتاب الشديد: فبعض الناس إذا زاره أحد من أقاربه بعد طول انقطاع-أمطر عليه وابلا من اللوم، والعتاب، والتقريع على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه
ومن هنا تحصل النفرة من ذلك الشخص، والهيبة من المجيء إليه; خوفا من لومه، وتقريعه، وشدة عتابه
6-التكلف الزائد: فهناك من إذا زاره أحد من أقاربه تكلف لهم أكثر من اللازم، وخسر الأموال الطائلة، وأجهد نفسه في إكرامهم، وقد يكون قليل ذات اليد ومن هنا تجد أن أقاربه يقصرون عن المجيء إليه; خوفا من إيقاعه في الحرج
7-قلة الاهتمام بالزائرين: فمن الناس من إذا زاره أقاربه لم يبد لهم الاهتمام، ولم يصغ لحديثهم، بل تجده معرضا مشيحا بوجهه عنهم إذا تحدثوا، لا يفرح بمقدمهم، ولا يشكرهم على مجيئهم، ولا يستقبلهم إلا بكل تثاقل وبرود; مما يقلل رغبتهم في زيارته
8-الشح والبخل: فمن الناس من إذا رزقه الله مالا أو جاها-تجده يتهرب من أقاربه، لا كبرا عليهم، وإنما خوفا من أن يفتح الباب عليه من أقاربه، فيبدؤون بالاستدانة منه، ويكثرون الطلبات عليه، أو غير ذلك!
وبدلا من أن يفتح الباب لهم، ويستضيفهم، ويوسع عليهم ويقوم على خدمتهم بما يستطيع، أو يعتذر لهم عما لا يستطيع-إذا به يعرض عنهم، ويصرمهم، ويهجرهم، حتى لا يرهقوه بكثرة مطالبهم-كما يزعم-!
وما فائدة المال أو الجاه إذا حرم منه الأقارب? ...
9-تأخير قسمة الميراث: فقد يكون بين الأقارب ميراث لم يقسم; إما تكاسلا منهم، أو لأن بعضهم عنده شيء من العناد، أو نحو ذلك
وكلما تأخر قسم الميراث، وتقادم العهد عليه-شاعت العداوة والبغضاء بين الأقارب; فهذا يريد حقه من الميراث ليتوسع به، وهذا آخر يموت ويتعب من بعده في حصر الورثة، وجمع الوكالات حتى يأخذوا نصيبهم من مورثهم، وذاك يسيء الظن بهذا، وهكذا تشتبك الأمور، وتتأزم الأوضاع، وتكثر المشكلات فتحل الفرقة، وتسود القطيعة
10-الشراكة بين الأقارب: فكثيرا ما يشترك بعض الأخوة أو الأقارب في مشروع أو شركة ما-دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشركة على الوضوح والصراحة، بل تقوم على المجاملة، وإحسان الظن
فإذا ما زاد الإنتاج، واتسعت دائرة العمل-دب الخلاف، وساد البغي، وحدث سوء الظن، خصوصا إذا كانوا من قليلي التقوى والإيثار، أو كان بعضهم مستبدا برأيه، أو كان أحد الأطراف أكثر جدية من الآخر
ومن هنا تسوء العلاقة، وتحل الفرقة، وربما وصلت الحال بهم إلى الخصومات في المحاكم، فيصبحون بذلك سبة لغيرهم، قال الله-تعالى-:"وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم"
11-الاشتغال بالدنيا: واللهث وراء حطامها، فلا يجد هذا اللاهث وقتا يصل به قرابته، ويتودد إليهم
12-الطلاق بين الأقارب: فقد يحدث طلاق بين الأقارب، فتكثر المشكلات بين أهل الزوجين، إما بسبب الأولاد، أو بسبب بعض الأمور المتعلقة بالطلاق، أو غير ذلك
13-بعد المسافة والتكاسل عن الزيارة: فمن الناس من تنأى به الديار، ويشط به المزار، فيبتعد عن أهله وأقاربه، فإذا ما أراد المجيء إليهم بعدت عليه الشقة، فتثبط عن المجيء والزيارة
14-التقارب في المساكن بين الأقارب: فربما أورث ذلك نفرة وقطيعة بين الأقارب، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال:مروا ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا"
قال الغزالي معلقا على مقولة عمر:وإنما قال ذلك لأن التجاور يورث التزاحم على الحقوق، وربما يورث الوحشة وقطيعة الرحم" وقال أكثم بن صيفي:تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة" ثم إن القرب في المسافة قد يسبب بعض المشكلات، التي تحدث بسبب ما يكون بين الأولاد من تنافس، أو مشادة، أو غير ذلك، وقد ينتقل ذلك إلى الوالدين، فيحاول كل من الوالدين أن يبرئ ساحة أولاده، فتنشأ العدواة، وتحل القطيعة
15-قلة تحمل الأقارب والصبر عليهم: فبعض الناس لا يتحمل أدنى شيء من أقاربه، فبمجرد أي هفوة، أو زلة، أو عتاب من أحد من أقاربه يبادر إلى القطيعة والهجر
16-نسيان الأقارب في الولائم والمناسبات: فقد يكون عند أحد أفراد الأسرة وليمة أو مناسبة ما، فيقوم بدعوة أقاربه إما مشافهة، أو عبر رقاع الدعوة، أو عبر الهاتف، وربما نسي واحدا من أقاربه، وربما كان هذا المنسي ضعيف النفس، أو ممن يغلب سوء الظن، فيفسر هذا النسيان بأنه تجاهل له، واحتقار لشخصه، فيقوده ذلك الظن إلى الصرم والهجر
17-الحسد: فهناك من يرزقه الله علما، أو جاها، أو مالا، أو محبة في قلوب الآخرين، فتجده يخدم أقاربه، ويفتح لهم صدره، ومن هنا قد يحسده بعض أقاربه، ويناصبه العداء، ويثير البلبلة حوله، ويشكك في إخلاصه
18-كثرة المزاح: فإن لكثرة المزاح آثارا سيئة; فلربما خرجت كلمة جارحة من شخص لا يراعي مشاعر الآخرين فأصابت مقتلا من شخص شديد التأثر، فأورثت لديه بغضا لهذا القائل
ويحصل هذا كثيرا بين الأقارب; لكثرة اجتماعاتهم
..قال ابن عبد البر:وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح; لما فيه من ذميم العاقبة، ومن التوصل إلى الأعراض، واستجلاب الضغائن، وإفساد الإخاء"
19-الوشاية والإصغاء إليها: فمن الناس من دأبه وديدنه وهجيراه-عياذا بالله-إفساد ذات البين، فتجده يسعى بين الأحبة لتفريق صفهم، وتكدير صفوهم، فكم تحاصت بسبب الوشاية من رحم، وكم ت-قطع-ت من أواصر، وكم تفرق من شمل وأعظم جرما من الوشاية: أن يصغي الإنسان إليها، ويصيخ السمع لها وما أجمل قول الأعشى:
ومن يطع الواشين لا يتركوا له صديقا وإن كان الحبيب المقربا
20-سوء الخلق من بعض الزوجات: فبعض الناس يبتلى بزوجة سيئة الخلق، ضيقة العطن، لا تحتمل أحدا من الناس، ولا تريد أن يشاركها في زوجها أحد من أقاربه أو غيرهم، فلا تزال به تنفره من أقاربه، وتثنيه عن زيارتهم وصلتهم، وتقعد في سبيله إذا أراد استضافتهم، فإذا استضافهم أو زاروه لم تظهر الفرح والبشر بهم، فهذا مما يسبب القطيعة بين الأقارب وبعض الأزواج يسلم قياده لزوجته فإذا رضيت عن أقاربه وصلهم، وإن لم ترض قطعهم، بل ربما أطاعها في عقوق والديه مع شدة حاجتهم إليه
هذه بعض الأسباب الحاملة على الهجر وقطيعة الرحم مر بنا القطيعة، وأضرارها، وذكر شيء من الأسباب التي تحمل عليها
فإذا كان الأمر كذلك فما أجدر العاقل أن يحذر قطيعة الرحم، وأن يتجنب الأسباب الداعية إليها، وما أحرى به أن يصل الرحم، وأن يبلها ببلالها، وأن يعرف عظيم شأن الرحم، ويتحرى أسباب وصلها، ويرعى الآداب التي ينبغي مراعتها مع الأقارب"
ثم عرف الحمد صلة الرحم فقال:
"فما صلة الرحم? وبأي شيء تكون? وما فضائلها? وما السبل والأسباب المعينة عليها? وما الآداب التي ينبغي مراعاتها مع الأقارب?
قال ابن منظور:وصلت الشيء وصلا وصلة, والوصل ضد الهجران"
وقال:ويقال: وصل فلان رحمه يصلها صلة وبينهما وصلة: أي اتصال وذريعة" وقال:التواصل ضد التصارم" وقال: عن صلة الرحم:قال ابن الأثير: وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار, والعطف عليهم, والرفق بهم, والرعاية لأحوالهم, وكذلك إن بعدوا وأساءوا, وقطع الرحم ضد ذلك كله"
عرف الرجل الصلة بالإحسان ثم عدد بعضا من مظاهرها فقال:
"صلة الرحم تكون بأمور عديدة; فتكون بزيارتهم, وتفقد أحوالهم, والسؤال عنهم, والإهداء إليهم, وإنزالهم منازلهم, والتصدق على فقيرهم, والتلطف مع غنيهم, وتوقير كبيرهم, ورحمة صغيرهم وضعفتهم, وتعاهدهم بكثرة السؤال والزيارة-كما مر-إما أن يأتي الإنسان إليهم بنفسه, أو يصلهم عبر الرسالة, أو المكالمة الهاتفية
وتكون باستضافتهم, وحسن استقبالهم, وإعزازهم, وإعلاء شأنهم, وصلة القاطع منهم وتكون-أيضا-بمشاركتهم في أفراحهم, ومواساتهم في أتراحهم, وتكون بالدعاء لهم, وسلامة الصدر نحوهم, وإصلاح ذات البين إذا فسدت بينهم, والحرص على تأصير العلاقة وتثبيت دعائمها معهم وتكون بعيادة مرضاهم, وإجابة دعوتهم وأعظم ما تكون به الصلة, أن يحرص المرء على دعوتهم إلى الهدى, وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهذه الصلة تستمر إذا كان الرحم صالحة مستقيمة أو مستورة أما إذا كانت الرحم كافرة أو فاسقة فتكون صلتهم بالعظة والتذكير, وبذل الجهد في ذلك فإن أعيته الحيلة في هدايتهم-كأن يرى منهم إعراضا أو عنادا أو استكبارا, أو أن يخاف على نفسه أن يتردى معهم, ويهوي في حضيضهم-فلينأ عنهم, وليهجرهم الهجر الجميل, الذي لا أذى فيه بوجه من الوجوه, وليكثر من الدعاء لهم بظهر الغيب, لعل الله أن يهديهم ببركة دعائه ثم إن صادف منهم غرة, أو سنحت له لدعوتهم أو تذكيرهم فرصة-فليقدم وليعد الكرة بعد الكرة
ومما يحسن ذكره في دعوة الأقارب, ونصحهم أن ينبه على مسألة مهمة في هذا الباب, ألا وهي إحسان التعامل مع الأقارب, والحرص على دعوتهم باللين, والحكمة, والموعظة الحسنة, وألا يدخل معهم في جدال إلا في أضيق الحدود وبالتي هي أحسن; لأنه يلحظ على كثير من الدعاة قلة تأثيرهم في أسرهم وقبائلهم
وذلك يرجع إلى عدة أسباب, ومنها أن الدعاة أنفسهم لا يولون هذا الجانب اهتمامهم, ولو بحثوا في السبل المثلى التي تعين على ذلك لأفلحوا في دعوة أقاربهم ولأثروا فيهم أيما تأثير
ولعل من أهم تلك السبل أن يتواضعوا لأقاربهم, وأن يولوهم شيئا من الاهتمام, والصلة, والاعتبار, ونحو ذلك مما يحببهم بالأقارب, ويحبب الأقارب بهم كما أن على الأسرة أو القبيلة أن ترفع من شأن دعاتها, وعلمائها, وأن تجلهم, وتصيخ السمع لهم, وأن تحذر كل الحذر من تحقيرهم, والحط من شأنهم فإذا سارت الأسر على هذا النحو كان حريا بهم أن يرتقوا في مدارج الكمال, ومراتب الفضيلة"
ثم تكلم الرجل عن فضائل صلة الرحم فقال:
"أما فضائل صلة الرحم فحدث ولا حرج; ففضائلها كثيرة, وعوائدها جمة, وهذه الفضائل تنتظم خيري الدنيا والآخرة, ونصوص الكتاب والسنة في ذلك متظاهرة, وكذلك أقوال العلماء والحكماء, فمن تلك الفضائل ما يلي:
1-صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ":من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه"
2-صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق: فعن أنس بن مالك -قال: قال رسول الله ":من أحب أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره فليصل رحمه"
ومما قاله العلماء في معنى زيادة العمر, وبسط الرزق الواردين في الحديث ما يلي:
1-أن المقصود بالزيادة أن يبارك الله في عمر الإنسان الواصل, ويهبه قوة في الجسم, ورجاحة في العقل, ومضاء في العزيمة, فتكون حياته حافلة بجلائل الأعمال
2-أن الزيادة على حقيقتها; فالذي يصل رحمه يزيد الله في عمره, ويوسع له في رزقه ولا غرو في ذلك; فكما أن الصحة وطيب الهواء, وطيب الغذاء, واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب من أسباب طول العمر-فكذلك صلة الرحم جعلها الله سببا ربانيا; فإن الأسباب التي تحصل بها المحبوبات الدنيوية قسمان: أمور محسوسة تدخل في إدراك الحواس, ومدارك العقول و أمور ربانية إلهية قدرها من هو على كل شيء قدير, ومن جميع الأسباب وأمور العالم منقادة لمشيئته"
وقد يشكل هذا الأمر على بعض الناس فيقول: إذا كانت الأرزاق مكتوبة, والآجال مضروبة لا تزيد ولا تنقص, كما في قوله-تعالى-:" ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " فكيف نوفق بين ذلك وبين الحديث السابق?والجواب: أن القدر قدران:أحدهما: مثبت, أو مبرم, أو مطلق, وهو ما في أم الكتاب-اللوح المحفوظ-الإمام المبين-فهذا لا يتبدل ولا يتغير والثاني: القدر المعلق, أو المقيد, وهو ما في صحف الملائكة, فهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات
قال شيخ الإسلام-ابن تيمية:والأجل أجلان: مطلق يعلمه الله, وأجل مقيد, وبهذا يتبين معنى قوله ":من سره أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره فليصل رحمه"فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا, وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا, والملك لا يعلم أيزداد أم لا, لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر, فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر"
وقال في موطن آخر عندما سئل عن الرزق: هل يزيد أو ينقص فأجاب:الرزق نوعان: أحدهما: ما علمه الله أن يرزقه, فهذا لا يتغير, والثاني: ما كتبه, وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب"
ثم إن:الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه; فإن كان قد تقدم بأن يرزق العبد بسعيه واكتسابه ألهمه السعي والاكتساب, وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب, وما قدره له بغير اكتساب-كموت مورثه-يأتيه بغير اكتساب"
فلا مخالفة في ذلك لسبق العلم, بل فيه تقييد المسببات بأسبابها, كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب, وقدر الولد بالوطء, وقدر حصول الزرع بالبذر, فهل يقول عاقل بأن ربط المسببات بأسبابها يقتضي خلاف العلم السابق, أو ينافيه بوجه من الوجوه?"
الرواية مخالفة لكتاب الله فى أقوال عدة منها :
"لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
وقوله عن الأجل مسمى أى محدد :
"ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا"
كما يخالف ان سبب بسط الرزق صلة الرحم وبسط الرزق عائد إلى ما قدره الله ولو كان بطاعة الله ومنها صلة الرحم لمنع الله بسط الرزق عن الكفار ولكنه يبسط الرزق لهم كما قال تعالى ""فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون"
ثم قال :
3--صلة الرحم تجلب صلة الله للواصل: قال رسول الله ":إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة, قال: نعم, أما ترضين أن أصل من وصلك, وأقطع من قطعك? قالت: بلى, قال: فذلك لك"
4-صلة الرحم من أعظم أسباب دخول الجنة: فعن أبي أيوب الأنصاري أن رجلا قال: يا رسول الله, أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار, فقال النبي ":تعبد الله ولا تشرك به شيئا, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصل الرحم"
5-صلة الرحم طاعة لله عز وجل: فهي وصل لما أمر الله به أن يوصل
قال-تعالى-مثنيا على الواصلين:" والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب "
6-وهي من محاسن الدين: فالإسلام دين الصلة, ودين البر والرحمة, فهو يأمر بالصلة, وينهى عن القطيعة, مما يجعل جماعة المسلمين مترابطة, متآلفة, متراحمة, بخلاف الأنظمة الأرضية التي لا ترعى ذلك الحق, ولا توليه اهتمامها
7-وهي مما اتفقت عليه الشرائع: فالشرائع السماوية كلها أمرت بالصلة, وحذرت من ضدها, وهذا يدل على فضلها, وعظم شأنها
8-صلة الرحم مدعاة للذكر الجميل: فهي مكسبة للحمد, مجلبة للثناء الحسن, حتى إن أهل الجاهلية ليتمدحون بها, ويثنون على أصحابها
9-أنها تدل على الرسوخ في الفضيلة: فهي دليل كرم النفس, وسعة الأفق, وطيب المنبت, وحسن الوفاء, وصدق المعشر ولهذا قيل:من لم يصلح لأهله لم يصلح لك, ومن لم يذب عنهم لم يذب عنك"
10-شيوع المحبة بين الأقارب: فبسببها تشيع المحبة, وتسود الألفة, ويصبح الأقارب لحمة واحدة, وبهذا يصفو عيشهم,وتكثر مسراتهم
11-رفعة الواصل: فإن الإنسان إذا وصل أرحامه, وحرص على إعزازهم-أكرمه أرحامه, وأعزوه, وأجلوه, وسودوه, وكانوا عونا له
ولم أر عزا لامرئ كعشيرة ولم أر ذلا مثل نأي عن الأهل
12-عزة المتواصلين: فالأرحام المتواصلون, المتوادون المتآلفون-يعلو قدرهم, ويرتفع ذكرهم, فيكون لهم شأن, ويحسب لهم ألف حساب, فلا يتجرأ أحد أن يسومهم خطة ضيم, أو أن يمسهم بلفحة من نار ظلم; فيظلون بأعز جوار, وأمنع ذمار بخلاف ما إذا تقاطعوا, وتدابروا; فإنهم يذلون ويسترذلون, فيلقون هوانا بعد عز, وضعة بعد رفعة, ونزولا بعد شمم"
وما ذكره الرجل من فوائد لصلة الرحم يكمن كله فى الحصول على رضا الله وهو دخول الجنة وأما التحاب والود فليس لازما أن يحدث وكذلك كثرة الرزق لأن الكراهية تحدث وتظل موجودة بين الأقارب رغم إحسان طرف للأخر كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم"
وذكر الحمد ما سماه آداب السلوك مع الأقارب فقال:
"هناك آداب يجدر بنا سلوكها مع الأقارب, وهناك أمور تعين على صلة الرحم; فمن ذلك ما يلي:
1-التفكر في الآثار المترتبة على الصلة: فإن معرفة ثمرات الأشياء, واستحضار حسن عواقبها-من أكبر الدواعي إلى فعلها, وتمثلها, والسعي إليها
2-النظر في عواقب القطيعة: وذلك بتأمل ما تجلبه القطيعة من هم, وغم, وحسرة, وندامة,ونحو ذلك, فهذا مما يعين على اجتنابها والبعد عنها
3-الاستعانة بالله: وذلك بسؤال التوفيق, والإعانة على صلة الأقارب
4-مقابلة إساءة الأقارب بالإحسان: فهذا مما يبقي على الود ويحفظ ما بين الأقارب من العهد, ويهون على الإنسان ما يلقاه من شراسة أقاربه وإساءتهم
ولهذا أتى رجل إلى النبي"فقال: يا رسول الله, إني لي قرابة أصلهم ويقطعونني, وأحسن إليهم ويسيئون إلي, وأحلم عنهم ويجهلون علي
قال:لئن كنت كما قلت, فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك"
قال الإمام النووي تعالى-في شرح هذا الحديث:وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم, بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم, ولا شيء على هذا المحسن, بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته, وإدخالهم الأذى عليه
وقيل: معناه أنك بالإحسان إليهم تخزيهم, وتحقرهم في أنفسهم; لكثرة إحسانك, وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم, كمن يسف المل وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك, كالمل يحرق أحشاءهم, والله أعلمفهذا الحديث عزاء لكثير من الناس ممن ابتلوا بأقارب شرسين, يقابلون الإحسان بالإساءة, وفيه تشجيع للمحسنين على أن يستمروا على طريقتهم المثلى; فإن الله معهم, وهو مؤيدهم, وناصرهم, ومثيبهم
ومن أجمل ما قيل في ذلك...
5-قبول أعذارهم إذا أخطأوا, واعتذروا: ومن جميل ما يذكر في ذلك ما جرى بين يوسف-(ص)وإخوته, فلقد فعلوا به ما فعلوا, وعندما اعتذروا-قبل عذرهم, وصفح عنهم الصفح الجميل; فلم يقرعهم, ولم يوبخهم, بل دعا لهم, وسأل الله لهم المغفرة لهم
6-الصفح عنهم ونسيان معايبهم, حتى ولو لم يعتذروا: فهذا مما يدل على كرم النفس, وعلو الهمة; فالعاقل اللبيب, يعفو عن أقاربه وينسى عيوبهم, ولا يذكرهم بها...
7-التواضع ولين الجانب: فهذا مما يحبب القرابة بالشخص, ويدنيهم منه, وصدق من قال:
من كان يحلم أن يسود عشيرة
فعليه بالتقوى ولين الجانب
ويغض طرفا عن مساوي من أسا
منهم ويحلم عند جهل الصاحب
8-التغاضي والتغافل: فالتغاضي والتغافل من أخلاق الأكابر والعظماء, وهو مما يعين على استبقاء المودة, واستجلابها, وعلى وأد العداوة وإخلاد المباغضة
ثم إنه دليل على سمو النفس, وشفافيتها, وهو مما يرفع المنزلة, ويعلي المكانة والتغاضي والتغافل حسن مع جميع الناس, وهو مع الأقارب أولى, وأحرى وأجمل
قال ابن حبان :من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه, وترك التوقع لما يأتون من المحبوب-كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه, وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء"...
9-بذل المستطاع لهم: من الخدمة بالنفس, أو الجاه, أو المال
10-ترك المنة عليهم, والبعد عن مطالبتهم بالمثل: وقد مر بنا أن الواصل ليس بالمكافئ, فمما يعين على بقاء المودة أن يحرص الإنسان على أن يعطي أقاربه ولا يطالبهم بالمثل, وألا يمن عليهم بعطائه, أو زياراته, أو غير ذلك
11-توطين النفس على الرضا بالقليل من الأقارب: فالعاقل الكريم لا يستوفي حقه كاملا, بل يرضى بالقليل وبالعفو الذي يأتي من أقاربه, حتى يستميل بذلك قلوبهم, ويبقي على مودته لهم كما قيل:
إذا أنت لم تستبق ود صحابة
على دخن أكثرت بث المعايب
12-مراعاة أحوالهم, وفهم نفسايتهم, وإنزالهم منازلهم: فمن الأقارب من يرضى بالقليل, فتكفيه الزيارة السنوية, وتكفيه المكالمة الهاتفية, ومنهم من يرضى بطلاقة الوجه والصلة بالقول فحسب, ومنهم من يعفو عن حقه كاملا, ومنهم من لا يرضى إلا بالزيارة المستمرة, وبالملاحظة الدائمة; فمعاملتهم بمقتضى أحوالهم يعين على الصلة, واستبقاء المودة
13-ترك التكلف مع الأقارب ورفع الحرج عنهم: وهذا مما يغري بالصلة; فإذا علم الأقارب عن ذلك الشخص أنه قليل التكلف, وأنه يتسم بالسماحة-حرصوا على زيارته وصلته
14-تجنب الشدة في العتاب: حتى يألف الأقارب المجيء, ويفرحوا به; فالكريم هو الذي يعطي الناس حقوقهم, ويتغاضى عن حقه إذا قصر فيه أحد
ثم إن كان هناك من خطأ يستوجب العتاب فليكن عتابا لطيفا رقيقا
15-تحمل عتاب الأقارب وحمله على أحسن المحامل: وهذا أدب الفضلاء, ودأب النبلاء; ممن تمت مروءتهم, وكملت أخلاقهم, وتناهى سؤددهم, ممن وسعوا الناس بحلمهم, وحسن تربيتهم, وسعة أفقهم
فإذا ما عاتبهم أحد من الأقارب, وأغلظ عليهم لتقصيرهم في حقه-حملوا ذلك على أحسن المحامل; فيرون أن هذا المعاتب محب لهم, مشفق عليهم, حريص على مجيئهم, ويشعرونه بذلك, بل يعتذرون له من تقصيرهم; حتى تخف حدته, وتهدأ ثورتهفبعض الناس يقدر ويحب ويشفق, ولكنه لا يستطيع التعبير عن ذلك إلا بكثرة اللوم والعتاب
والكرام يحسنون التعامل مع هؤلاء, ويحملون كلامهم على أحسن المحامل, ولسان حالهم يقول: لو أخطأت في حسن أسلوبك لما أخطأت في حسن نيتك
16-الاعتدال في المزاح مع الأقارب: مع مراعاة أحوالهم, وتجنب المزاح مع من لا يتحمله
17-تجنب الخصام وكثرة الملاحاة والجدال العقيم مع الأقارب: فإن كثرة الخصام والملاحاة والجدال تورث البغضاء, والانتصار للنفس, والتشفي من الطرف الآخر, بل يحسن بالمرء مداراة أقاربه, والبعد عن كل ما من شأنه أن يكدر صفو الوداد معهم
18-المبادرة بالهدية إن حصل خلاف مع الأقارب: فالهدية تجلب المودة, وتكذب سوء الظن, وتستل سخائم القلوب....
19-أن يستحضر الإنسان أن أقاربه لحمة منه: فلا بد له منهم, ولا فكاك له عنهم, فعزهم عز له, وذلهم ذل له, والعرب تقول:أنفك منك وإن ذن وعيصك منك وإن كان أشبا
20-أن يعلم أن معاداة الأقارب شر وبلاء: فالرابح فيها خاسر, والمنتصر مهزوم...
21-الحرص التام على تذكر الأقارب في المناسبات والولائم: ومن الطرق المجدية في ذلك أن يسجل الإنسان أسماء أقاربه, وأرقام هواتفهم في ورقة, ثم يحفظها عنده, وإذا أراد دعوتهم فتح الورقة حتى يستحضرهم جميعا, ويتصل بهم إما بالذهاب إليهم, أو عبر الهاتف أو غير ذلك
ثم إن نسي واحدا منهم فليذهب إليه, وليعتذر منه, وليسع في رضاه ما استطاع إلى ذلك سبيلا
22-الحرص على إصلاح ذات البين: فمما ينبغي على الأقارب-وعلى الأخص من وهبهم الله محبة في النفوس-أن يبادروا إلى إصلاح ذات البين إذا فسدت, وألا يتوانوا في ذلك; لأنها إذا لم تصلح ويبادر في رأب صدعها فإن شرها سيستطير, وبلاءها سيكتوي بناره الجميع
23-تعجيل قسمة الميراث: حتى يأخذ كل واحد نصيبه, ولئلا تكثر الخصومات والمطالبات, ولأجل أن تكون العلاقة بين الأقارب خالصة صافية من المكدرات
24-الحرص على الوئام والاتفاق حال الشراكة: فإذا اشترك الأقارب في شراكة ما فليحرصوا كل الحرص على الوئام التام, والاتفاق في كل الأمور, وأن تسود بينهم روح الإيثار والمودة, والشورى والرحمة, والصدق والأمانة, وأن يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحبه لنفسه, وأن يعرف كل طرف ماله وما عليه
كما يحسن بهم أن يناقشوا المشكلات بمنتهى الوضوح والصراحة, وأن يحرصوا على التفاني, والإخلاص في العمل, وأن يتغاضى كل منهم عن صاحبه, ويجمل بهم-أيضا أن يكتبوا ما يتفقون عليه
فإذا ساروا على تلك الطريقة حلت فيهم الرحمة, وسادت بينهم المودة, ونزلت عليهم بركات الشركة
25-الاجتماعات الدورية: سواء كانت شهرية أو سنوية أو غير ذلك, فهذه الاجتماعات فيها خير كثير; ففيها التعارف, والتواصل, والتواصي, وغير ذلك خصوصا إذا كان يديرها أولو العلم, والحصافة
26-صندوق القرابة: الذي تجمع فيه تبرعات الأقارب واشتراكاتهم, ويشرف عليه بعض الأفراد, فإذا ما احتاج أحد من الأسرة مالا لزواج, أو نازلة, أوغير ذلك بادروا إلى دراسة حاله, وساعدوه ورفدوه; فهذا مما يولد المحبة, وينمي المودة
27-دليل الأقارب: فيحسن بالأقارب أن يقوم بعضهم بوضع دليل خاص, يحتوي على أرقام هواتف القرابة ثم يطبع ويوزع على جميع الأقارب, فهذا الصنيع يعين على الصلة, ويذكر المرء بأقاربه إذا أراد السلام عليهم, أو دعوتهم للمناسبات والولائم
28-الحذر من إحراج الأقارب: وذلك بالبعد عن كل سبب يوصل إلى ذلك, فيبتعد الإنسان عن الإثقال عليهم, وينأى عن تحميلهم ما لا يطيقون, ومما يدخل في هذا أن يراعي القرابة أحوال الوجهاء, وذوي اليسار في الأسرة فلا يكلفوهم ما يوقعهم في الحرج, ولا يلوموهم إذا قصروا في بعض الأمور مما لا طاقة لهم بها; فبعض الأسر تكلف وجهاءها وأكابرها ما لا يطيقون, ولا تعذرهم عند أي تقصير
29-الشورى بين الأقارب: فيحسن بالأقارب أن يكون لهم مجلس شورى, أو أن يكون لهم رؤوس يرجعون إليهم في الملمات وما ينوب الأسرة من النوازل; حتى يخرجوا برأي موحد, أو مناسب يرضي الله, ويوافق الحكمة والصواب
ويحسن بأولئك الرؤوس أن يكونوا من ذوي الرأي, والسداد, والحلم, والبصيرة, وبعد النظر
30-وأخيرا: يراعى في ذلك كله أن تكون الصلة قربة الله: خالصة لوجهه وحده لا شريك له, وأن تكون تعاونا على البر والتقوى, لا يقصد بها حمية الجاهلية ولا عبيتها"
وما ذكره الرجل هنا ليس آدابا للسلوك مع الأقارب وإنما الكثير منها أحكام فى التعامل مع كل الناس مسلمين ومعاهدين كما لا يوجد شىء اسمه صندوق القرابة وإنما هناك بيت مال المسلمين هو الذى يغنى الكل وحديثه هنا عن مجتمعات الفساد التى نعيش فيها وليس عن المجتمع المسلم الذى يتبع مبدأ الرحمة كما قال تعالى " رحماء بينهم"
الكتاب من تأليف محمد بن إبراهيم الحمد وهو يدور حول قطيعة الرحم كما قال الحمد فى مقدمته:
"قطيعة الرحم من الأمور التي تفشت في مجتمعات المسلمين، خصوصا في هذه الأعصار المتأخرة التي طغت فيها المادة، وقل فيه التواصي والتزاور، فكثير من الناس-والله المستعان-مضيعون لهذا الحق مفرطون فيه "
وبين الناس فى القطيعة أنواع فمنهم قاطعها دون أى وصل وهناك من يواصل بقدر الآخرين وهناك من يواصل من قاطعوه فقال:
"ولقطيعة الرحم مظاهر عديدة; فمن الناس من لا يعرف قرابته بصلة; لا بالمال، ولا بالجاه، ولا بالخلق، تمضي الشهور، وربما الأعوام، وما قام بزيارتهم، ولا تودد إليهم بصلة، أو هدية، ولا دفع عنهم حاجة أو ضرورة أو أذية، بل ربما أساء إليهم بالقول أو الفعل، أو بهما جميعا
ومن الناس من لا يشارك أقاربه في أفراحهم، ولا يواسيهم في أتراحهم، ولا يتصدق على فقيرهم، بل تجده يقدم غيرهم عليهم في الصلات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم ومن الناس من يصل أقاربه إن وصلوه، ويقطعهم إن قطعوه، وهذا-في الحقيقة-ليس بواصل، وإنما هو مكافئ للمعروف بمثله، وهذا حاصل للقريب وغيره; فإن المكافأة لا تختص بالقريب وحده والواصل-حقيقة-هو الذي يصل قرابته "، سواء وصلوه أم قطعوه; ولهذا قال النبي":ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها""
وكان من المفترض أن يعرف الحمد قطيعة الرحم فقطيعة الرحم لا تعنى فى القرآن المعنى المعروف الشائع عند الناس وهو زيارة الأقارب والوقوف بجانبهم وإنما عصيان الوحى الإلهى الذى هو وسيلة الوصول إلى رحمة الله ومعنى العصيان الفساد فى الأرض أى نقض الميثاق وفى هذا قال تعالى :
"الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون فى الأرض أولئك هم الخاسرون"وقال:
"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم"
وكان يجب على الرجل أن يبين أحكام بر الأقارب ومعاداتهم فى القرآن وهى :
أن من يجب مواصلتهم من الأقارب هم المسلمين والمعاهدين الذى لم يعتدوا على المسلمين بأى شكل من الأشكال كما قال تعالى:
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم والله يحب المقسطين "
وأما الأقارب المعتدين الكفار فيجب قطيعتهم نهائيا حتى يسلموا او يتوبوا من الاعتداء ويسالموا المسلمين كما قال تعالى:
"إنما ينهاكم عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"
وقال فى عداوتهم ومقاطعتهم:
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان"
واعتبر من يحب أقاربه الكفار كافر أى فاسق من قال:
"قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين"
ويجب أن نفرق بين نوعين من القطيعة :
الأول القطيعة بسبب الظروف المادية فمثلا هناك بعض الناس لا يملكون مالا للذهاب إلى أقاربهم فى البلاد البعيدة فهذه القطيعة لا تعتبر قطيعة لأن الظروف المالية القاهرة تمنع الإنسان من القيام بالواجب
الثانى القطيعة من النفس دون وجود سبب قاهر وهذه هى القطيعة المحرمة
وتحدث الرجل عن مظاهر أخرى فقال:
"ومن مظاهر قطيعة الرحم أن تجد بعض الناس ممن آتاه الله علما ودعوة-يحرص على دعوة الأبعدين، ويغفل أو يتغافل عن دعوة الأقربين، وهذا لا ينبغي; فالأقربون أولى بالمعروف، قال الله-عز وجل-لنبيه(ص):"وأنذر عشيرتك الأقربين " ومن مظاهر القطيعة أن تجد بعض الأسر الكبيرة قد نبغ فيها طالب علم، أو مصلح، أو داعية، فتراه يلقى القبول والتقدير من سائر الناس، ولا يلقى من أسرته إلا كل كنود وجحود; مما يوهن عظمه; ويوهي قواه، ويقلل أثره ومن مظاهر القطيعة، تحزيب الأقارب، وتفريق شملهم، وتأليب بعضهم على بعض هذا "
وما ذكره من أمر الدعوة خارج القطيعة لأن الدعوة واجبة للكل وبيس للأقارب وحدهم أو للأباعد وحدهم وكذلك حكاية كراهية الداعية القريب لأنم الكراهية جائزة الوقوع بين المسلمين كما قال تعالى "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا "
وقد عدد الرجل أسباب القطيعة إلى عشرين سببا ولا يوجد سوى سبب واحد وهو مشيئة النفس الكفر كما قال تعالى " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ويدخل ضمن الكفر الكثير مما قاله وهو :
"وسيأتي مزيد بيان لمظاهر القطيعة عند الحديث عن أسبابها إذا نظرت إلى قطيعة الرحم، وجدت أنها تحدث لأسباب عديدة تحمل على القطيعة; منها:
1-الجهل: فالجهل بعواقب القطيعة العاجلة والآجلة يحمل عليها، ويقود إليها، كما أن الجهل بفضائل الصلة العاجلة والآجلة يقصر عنها، ولا يبعث إليها
2-ضعف التقوى: فإذا ضعفت التقوى، ورق الدين لم يبال المرء بقطع ما أمر الله به أن يوصل، ولم يطمع بأجر الصلة، ولم يخش عاقبة القطيعة
3-الكبر: فبعض الناس إذا نال منصبا رفيعا، أو حاز مكانة عالية، أو كان تاجرا كبيرا-تكبر على أقاربه، وأنف من زيارتهم والتودد إليهم; بحيث يرى أنه صاحب الحق، وأنه أولى بأن يزار ويؤتى إليه
4-الانقطاع الطويل: فهناك من ينقطع عن أقاربه فترة طويلة، فيصيبه من جراء ذلك وحشة منهم، فيبدأ بالتسويف بالزيارة، فيتمادى به الأمر إلى أن ينقطع عنهم بالكلية، فيعتاد القطيعة، ويألف البعد
5-العتاب الشديد: فبعض الناس إذا زاره أحد من أقاربه بعد طول انقطاع-أمطر عليه وابلا من اللوم، والعتاب، والتقريع على تقصيره في حقه، وإبطائه في المجيء إليه
ومن هنا تحصل النفرة من ذلك الشخص، والهيبة من المجيء إليه; خوفا من لومه، وتقريعه، وشدة عتابه
6-التكلف الزائد: فهناك من إذا زاره أحد من أقاربه تكلف لهم أكثر من اللازم، وخسر الأموال الطائلة، وأجهد نفسه في إكرامهم، وقد يكون قليل ذات اليد ومن هنا تجد أن أقاربه يقصرون عن المجيء إليه; خوفا من إيقاعه في الحرج
7-قلة الاهتمام بالزائرين: فمن الناس من إذا زاره أقاربه لم يبد لهم الاهتمام، ولم يصغ لحديثهم، بل تجده معرضا مشيحا بوجهه عنهم إذا تحدثوا، لا يفرح بمقدمهم، ولا يشكرهم على مجيئهم، ولا يستقبلهم إلا بكل تثاقل وبرود; مما يقلل رغبتهم في زيارته
8-الشح والبخل: فمن الناس من إذا رزقه الله مالا أو جاها-تجده يتهرب من أقاربه، لا كبرا عليهم، وإنما خوفا من أن يفتح الباب عليه من أقاربه، فيبدؤون بالاستدانة منه، ويكثرون الطلبات عليه، أو غير ذلك!
وبدلا من أن يفتح الباب لهم، ويستضيفهم، ويوسع عليهم ويقوم على خدمتهم بما يستطيع، أو يعتذر لهم عما لا يستطيع-إذا به يعرض عنهم، ويصرمهم، ويهجرهم، حتى لا يرهقوه بكثرة مطالبهم-كما يزعم-!
وما فائدة المال أو الجاه إذا حرم منه الأقارب? ...
9-تأخير قسمة الميراث: فقد يكون بين الأقارب ميراث لم يقسم; إما تكاسلا منهم، أو لأن بعضهم عنده شيء من العناد، أو نحو ذلك
وكلما تأخر قسم الميراث، وتقادم العهد عليه-شاعت العداوة والبغضاء بين الأقارب; فهذا يريد حقه من الميراث ليتوسع به، وهذا آخر يموت ويتعب من بعده في حصر الورثة، وجمع الوكالات حتى يأخذوا نصيبهم من مورثهم، وذاك يسيء الظن بهذا، وهكذا تشتبك الأمور، وتتأزم الأوضاع، وتكثر المشكلات فتحل الفرقة، وتسود القطيعة
10-الشراكة بين الأقارب: فكثيرا ما يشترك بعض الأخوة أو الأقارب في مشروع أو شركة ما-دون أن يتفقوا على أسس ثابتة، ودون أن تقوم الشركة على الوضوح والصراحة، بل تقوم على المجاملة، وإحسان الظن
فإذا ما زاد الإنتاج، واتسعت دائرة العمل-دب الخلاف، وساد البغي، وحدث سوء الظن، خصوصا إذا كانوا من قليلي التقوى والإيثار، أو كان بعضهم مستبدا برأيه، أو كان أحد الأطراف أكثر جدية من الآخر
ومن هنا تسوء العلاقة، وتحل الفرقة، وربما وصلت الحال بهم إلى الخصومات في المحاكم، فيصبحون بذلك سبة لغيرهم، قال الله-تعالى-:"وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم"
11-الاشتغال بالدنيا: واللهث وراء حطامها، فلا يجد هذا اللاهث وقتا يصل به قرابته، ويتودد إليهم
12-الطلاق بين الأقارب: فقد يحدث طلاق بين الأقارب، فتكثر المشكلات بين أهل الزوجين، إما بسبب الأولاد، أو بسبب بعض الأمور المتعلقة بالطلاق، أو غير ذلك
13-بعد المسافة والتكاسل عن الزيارة: فمن الناس من تنأى به الديار، ويشط به المزار، فيبتعد عن أهله وأقاربه، فإذا ما أراد المجيء إليهم بعدت عليه الشقة، فتثبط عن المجيء والزيارة
14-التقارب في المساكن بين الأقارب: فربما أورث ذلك نفرة وقطيعة بين الأقارب، وقد روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال:مروا ذوي القرابات أن يتزاوروا ولا يتجاوروا"
قال الغزالي معلقا على مقولة عمر:وإنما قال ذلك لأن التجاور يورث التزاحم على الحقوق، وربما يورث الوحشة وقطيعة الرحم" وقال أكثم بن صيفي:تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة" ثم إن القرب في المسافة قد يسبب بعض المشكلات، التي تحدث بسبب ما يكون بين الأولاد من تنافس، أو مشادة، أو غير ذلك، وقد ينتقل ذلك إلى الوالدين، فيحاول كل من الوالدين أن يبرئ ساحة أولاده، فتنشأ العدواة، وتحل القطيعة
15-قلة تحمل الأقارب والصبر عليهم: فبعض الناس لا يتحمل أدنى شيء من أقاربه، فبمجرد أي هفوة، أو زلة، أو عتاب من أحد من أقاربه يبادر إلى القطيعة والهجر
16-نسيان الأقارب في الولائم والمناسبات: فقد يكون عند أحد أفراد الأسرة وليمة أو مناسبة ما، فيقوم بدعوة أقاربه إما مشافهة، أو عبر رقاع الدعوة، أو عبر الهاتف، وربما نسي واحدا من أقاربه، وربما كان هذا المنسي ضعيف النفس، أو ممن يغلب سوء الظن، فيفسر هذا النسيان بأنه تجاهل له، واحتقار لشخصه، فيقوده ذلك الظن إلى الصرم والهجر
17-الحسد: فهناك من يرزقه الله علما، أو جاها، أو مالا، أو محبة في قلوب الآخرين، فتجده يخدم أقاربه، ويفتح لهم صدره، ومن هنا قد يحسده بعض أقاربه، ويناصبه العداء، ويثير البلبلة حوله، ويشكك في إخلاصه
18-كثرة المزاح: فإن لكثرة المزاح آثارا سيئة; فلربما خرجت كلمة جارحة من شخص لا يراعي مشاعر الآخرين فأصابت مقتلا من شخص شديد التأثر، فأورثت لديه بغضا لهذا القائل
ويحصل هذا كثيرا بين الأقارب; لكثرة اجتماعاتهم
..قال ابن عبد البر:وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح; لما فيه من ذميم العاقبة، ومن التوصل إلى الأعراض، واستجلاب الضغائن، وإفساد الإخاء"
19-الوشاية والإصغاء إليها: فمن الناس من دأبه وديدنه وهجيراه-عياذا بالله-إفساد ذات البين، فتجده يسعى بين الأحبة لتفريق صفهم، وتكدير صفوهم، فكم تحاصت بسبب الوشاية من رحم، وكم ت-قطع-ت من أواصر، وكم تفرق من شمل وأعظم جرما من الوشاية: أن يصغي الإنسان إليها، ويصيخ السمع لها وما أجمل قول الأعشى:
ومن يطع الواشين لا يتركوا له صديقا وإن كان الحبيب المقربا
20-سوء الخلق من بعض الزوجات: فبعض الناس يبتلى بزوجة سيئة الخلق، ضيقة العطن، لا تحتمل أحدا من الناس، ولا تريد أن يشاركها في زوجها أحد من أقاربه أو غيرهم، فلا تزال به تنفره من أقاربه، وتثنيه عن زيارتهم وصلتهم، وتقعد في سبيله إذا أراد استضافتهم، فإذا استضافهم أو زاروه لم تظهر الفرح والبشر بهم، فهذا مما يسبب القطيعة بين الأقارب وبعض الأزواج يسلم قياده لزوجته فإذا رضيت عن أقاربه وصلهم، وإن لم ترض قطعهم، بل ربما أطاعها في عقوق والديه مع شدة حاجتهم إليه
هذه بعض الأسباب الحاملة على الهجر وقطيعة الرحم مر بنا القطيعة، وأضرارها، وذكر شيء من الأسباب التي تحمل عليها
فإذا كان الأمر كذلك فما أجدر العاقل أن يحذر قطيعة الرحم، وأن يتجنب الأسباب الداعية إليها، وما أحرى به أن يصل الرحم، وأن يبلها ببلالها، وأن يعرف عظيم شأن الرحم، ويتحرى أسباب وصلها، ويرعى الآداب التي ينبغي مراعتها مع الأقارب"
ثم عرف الحمد صلة الرحم فقال:
"فما صلة الرحم? وبأي شيء تكون? وما فضائلها? وما السبل والأسباب المعينة عليها? وما الآداب التي ينبغي مراعاتها مع الأقارب?
قال ابن منظور:وصلت الشيء وصلا وصلة, والوصل ضد الهجران"
وقال:ويقال: وصل فلان رحمه يصلها صلة وبينهما وصلة: أي اتصال وذريعة" وقال:التواصل ضد التصارم" وقال: عن صلة الرحم:قال ابن الأثير: وهي كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار, والعطف عليهم, والرفق بهم, والرعاية لأحوالهم, وكذلك إن بعدوا وأساءوا, وقطع الرحم ضد ذلك كله"
عرف الرجل الصلة بالإحسان ثم عدد بعضا من مظاهرها فقال:
"صلة الرحم تكون بأمور عديدة; فتكون بزيارتهم, وتفقد أحوالهم, والسؤال عنهم, والإهداء إليهم, وإنزالهم منازلهم, والتصدق على فقيرهم, والتلطف مع غنيهم, وتوقير كبيرهم, ورحمة صغيرهم وضعفتهم, وتعاهدهم بكثرة السؤال والزيارة-كما مر-إما أن يأتي الإنسان إليهم بنفسه, أو يصلهم عبر الرسالة, أو المكالمة الهاتفية
وتكون باستضافتهم, وحسن استقبالهم, وإعزازهم, وإعلاء شأنهم, وصلة القاطع منهم وتكون-أيضا-بمشاركتهم في أفراحهم, ومواساتهم في أتراحهم, وتكون بالدعاء لهم, وسلامة الصدر نحوهم, وإصلاح ذات البين إذا فسدت بينهم, والحرص على تأصير العلاقة وتثبيت دعائمها معهم وتكون بعيادة مرضاهم, وإجابة دعوتهم وأعظم ما تكون به الصلة, أن يحرص المرء على دعوتهم إلى الهدى, وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وهذه الصلة تستمر إذا كان الرحم صالحة مستقيمة أو مستورة أما إذا كانت الرحم كافرة أو فاسقة فتكون صلتهم بالعظة والتذكير, وبذل الجهد في ذلك فإن أعيته الحيلة في هدايتهم-كأن يرى منهم إعراضا أو عنادا أو استكبارا, أو أن يخاف على نفسه أن يتردى معهم, ويهوي في حضيضهم-فلينأ عنهم, وليهجرهم الهجر الجميل, الذي لا أذى فيه بوجه من الوجوه, وليكثر من الدعاء لهم بظهر الغيب, لعل الله أن يهديهم ببركة دعائه ثم إن صادف منهم غرة, أو سنحت له لدعوتهم أو تذكيرهم فرصة-فليقدم وليعد الكرة بعد الكرة
ومما يحسن ذكره في دعوة الأقارب, ونصحهم أن ينبه على مسألة مهمة في هذا الباب, ألا وهي إحسان التعامل مع الأقارب, والحرص على دعوتهم باللين, والحكمة, والموعظة الحسنة, وألا يدخل معهم في جدال إلا في أضيق الحدود وبالتي هي أحسن; لأنه يلحظ على كثير من الدعاة قلة تأثيرهم في أسرهم وقبائلهم
وذلك يرجع إلى عدة أسباب, ومنها أن الدعاة أنفسهم لا يولون هذا الجانب اهتمامهم, ولو بحثوا في السبل المثلى التي تعين على ذلك لأفلحوا في دعوة أقاربهم ولأثروا فيهم أيما تأثير
ولعل من أهم تلك السبل أن يتواضعوا لأقاربهم, وأن يولوهم شيئا من الاهتمام, والصلة, والاعتبار, ونحو ذلك مما يحببهم بالأقارب, ويحبب الأقارب بهم كما أن على الأسرة أو القبيلة أن ترفع من شأن دعاتها, وعلمائها, وأن تجلهم, وتصيخ السمع لهم, وأن تحذر كل الحذر من تحقيرهم, والحط من شأنهم فإذا سارت الأسر على هذا النحو كان حريا بهم أن يرتقوا في مدارج الكمال, ومراتب الفضيلة"
ثم تكلم الرجل عن فضائل صلة الرحم فقال:
"أما فضائل صلة الرحم فحدث ولا حرج; ففضائلها كثيرة, وعوائدها جمة, وهذه الفضائل تنتظم خيري الدنيا والآخرة, ونصوص الكتاب والسنة في ذلك متظاهرة, وكذلك أقوال العلماء والحكماء, فمن تلك الفضائل ما يلي:
1-صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ":من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه, ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه"
2-صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق: فعن أنس بن مالك -قال: قال رسول الله ":من أحب أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره فليصل رحمه"
ومما قاله العلماء في معنى زيادة العمر, وبسط الرزق الواردين في الحديث ما يلي:
1-أن المقصود بالزيادة أن يبارك الله في عمر الإنسان الواصل, ويهبه قوة في الجسم, ورجاحة في العقل, ومضاء في العزيمة, فتكون حياته حافلة بجلائل الأعمال
2-أن الزيادة على حقيقتها; فالذي يصل رحمه يزيد الله في عمره, ويوسع له في رزقه ولا غرو في ذلك; فكما أن الصحة وطيب الهواء, وطيب الغذاء, واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب من أسباب طول العمر-فكذلك صلة الرحم جعلها الله سببا ربانيا; فإن الأسباب التي تحصل بها المحبوبات الدنيوية قسمان: أمور محسوسة تدخل في إدراك الحواس, ومدارك العقول و أمور ربانية إلهية قدرها من هو على كل شيء قدير, ومن جميع الأسباب وأمور العالم منقادة لمشيئته"
وقد يشكل هذا الأمر على بعض الناس فيقول: إذا كانت الأرزاق مكتوبة, والآجال مضروبة لا تزيد ولا تنقص, كما في قوله-تعالى-:" ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " فكيف نوفق بين ذلك وبين الحديث السابق?والجواب: أن القدر قدران:أحدهما: مثبت, أو مبرم, أو مطلق, وهو ما في أم الكتاب-اللوح المحفوظ-الإمام المبين-فهذا لا يتبدل ولا يتغير والثاني: القدر المعلق, أو المقيد, وهو ما في صحف الملائكة, فهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات
قال شيخ الإسلام-ابن تيمية:والأجل أجلان: مطلق يعلمه الله, وأجل مقيد, وبهذا يتبين معنى قوله ":من سره أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره فليصل رحمه"فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا, وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا, والملك لا يعلم أيزداد أم لا, لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر, فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر"
وقال في موطن آخر عندما سئل عن الرزق: هل يزيد أو ينقص فأجاب:الرزق نوعان: أحدهما: ما علمه الله أن يرزقه, فهذا لا يتغير, والثاني: ما كتبه, وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب"
ثم إن:الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه; فإن كان قد تقدم بأن يرزق العبد بسعيه واكتسابه ألهمه السعي والاكتساب, وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب, وما قدره له بغير اكتساب-كموت مورثه-يأتيه بغير اكتساب"
فلا مخالفة في ذلك لسبق العلم, بل فيه تقييد المسببات بأسبابها, كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب, وقدر الولد بالوطء, وقدر حصول الزرع بالبذر, فهل يقول عاقل بأن ربط المسببات بأسبابها يقتضي خلاف العلم السابق, أو ينافيه بوجه من الوجوه?"
الرواية مخالفة لكتاب الله فى أقوال عدة منها :
"لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
وقوله عن الأجل مسمى أى محدد :
"ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا"
كما يخالف ان سبب بسط الرزق صلة الرحم وبسط الرزق عائد إلى ما قدره الله ولو كان بطاعة الله ومنها صلة الرحم لمنع الله بسط الرزق عن الكفار ولكنه يبسط الرزق لهم كما قال تعالى ""فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون"
ثم قال :
3--صلة الرحم تجلب صلة الله للواصل: قال رسول الله ":إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة, قال: نعم, أما ترضين أن أصل من وصلك, وأقطع من قطعك? قالت: بلى, قال: فذلك لك"
4-صلة الرحم من أعظم أسباب دخول الجنة: فعن أبي أيوب الأنصاري أن رجلا قال: يا رسول الله, أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار, فقال النبي ":تعبد الله ولا تشرك به شيئا, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصل الرحم"
5-صلة الرحم طاعة لله عز وجل: فهي وصل لما أمر الله به أن يوصل
قال-تعالى-مثنيا على الواصلين:" والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب "
6-وهي من محاسن الدين: فالإسلام دين الصلة, ودين البر والرحمة, فهو يأمر بالصلة, وينهى عن القطيعة, مما يجعل جماعة المسلمين مترابطة, متآلفة, متراحمة, بخلاف الأنظمة الأرضية التي لا ترعى ذلك الحق, ولا توليه اهتمامها
7-وهي مما اتفقت عليه الشرائع: فالشرائع السماوية كلها أمرت بالصلة, وحذرت من ضدها, وهذا يدل على فضلها, وعظم شأنها
8-صلة الرحم مدعاة للذكر الجميل: فهي مكسبة للحمد, مجلبة للثناء الحسن, حتى إن أهل الجاهلية ليتمدحون بها, ويثنون على أصحابها
9-أنها تدل على الرسوخ في الفضيلة: فهي دليل كرم النفس, وسعة الأفق, وطيب المنبت, وحسن الوفاء, وصدق المعشر ولهذا قيل:من لم يصلح لأهله لم يصلح لك, ومن لم يذب عنهم لم يذب عنك"
10-شيوع المحبة بين الأقارب: فبسببها تشيع المحبة, وتسود الألفة, ويصبح الأقارب لحمة واحدة, وبهذا يصفو عيشهم,وتكثر مسراتهم
11-رفعة الواصل: فإن الإنسان إذا وصل أرحامه, وحرص على إعزازهم-أكرمه أرحامه, وأعزوه, وأجلوه, وسودوه, وكانوا عونا له
ولم أر عزا لامرئ كعشيرة ولم أر ذلا مثل نأي عن الأهل
12-عزة المتواصلين: فالأرحام المتواصلون, المتوادون المتآلفون-يعلو قدرهم, ويرتفع ذكرهم, فيكون لهم شأن, ويحسب لهم ألف حساب, فلا يتجرأ أحد أن يسومهم خطة ضيم, أو أن يمسهم بلفحة من نار ظلم; فيظلون بأعز جوار, وأمنع ذمار بخلاف ما إذا تقاطعوا, وتدابروا; فإنهم يذلون ويسترذلون, فيلقون هوانا بعد عز, وضعة بعد رفعة, ونزولا بعد شمم"
وما ذكره الرجل من فوائد لصلة الرحم يكمن كله فى الحصول على رضا الله وهو دخول الجنة وأما التحاب والود فليس لازما أن يحدث وكذلك كثرة الرزق لأن الكراهية تحدث وتظل موجودة بين الأقارب رغم إحسان طرف للأخر كما قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم"
وذكر الحمد ما سماه آداب السلوك مع الأقارب فقال:
"هناك آداب يجدر بنا سلوكها مع الأقارب, وهناك أمور تعين على صلة الرحم; فمن ذلك ما يلي:
1-التفكر في الآثار المترتبة على الصلة: فإن معرفة ثمرات الأشياء, واستحضار حسن عواقبها-من أكبر الدواعي إلى فعلها, وتمثلها, والسعي إليها
2-النظر في عواقب القطيعة: وذلك بتأمل ما تجلبه القطيعة من هم, وغم, وحسرة, وندامة,ونحو ذلك, فهذا مما يعين على اجتنابها والبعد عنها
3-الاستعانة بالله: وذلك بسؤال التوفيق, والإعانة على صلة الأقارب
4-مقابلة إساءة الأقارب بالإحسان: فهذا مما يبقي على الود ويحفظ ما بين الأقارب من العهد, ويهون على الإنسان ما يلقاه من شراسة أقاربه وإساءتهم
ولهذا أتى رجل إلى النبي"فقال: يا رسول الله, إني لي قرابة أصلهم ويقطعونني, وأحسن إليهم ويسيئون إلي, وأحلم عنهم ويجهلون علي
قال:لئن كنت كما قلت, فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك"
قال الإمام النووي تعالى-في شرح هذا الحديث:وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم, بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم, ولا شيء على هذا المحسن, بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته, وإدخالهم الأذى عليه
وقيل: معناه أنك بالإحسان إليهم تخزيهم, وتحقرهم في أنفسهم; لكثرة إحسانك, وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم, كمن يسف المل وقيل: ذلك الذي يأكلونه من إحسانك, كالمل يحرق أحشاءهم, والله أعلمفهذا الحديث عزاء لكثير من الناس ممن ابتلوا بأقارب شرسين, يقابلون الإحسان بالإساءة, وفيه تشجيع للمحسنين على أن يستمروا على طريقتهم المثلى; فإن الله معهم, وهو مؤيدهم, وناصرهم, ومثيبهم
ومن أجمل ما قيل في ذلك...
5-قبول أعذارهم إذا أخطأوا, واعتذروا: ومن جميل ما يذكر في ذلك ما جرى بين يوسف-(ص)وإخوته, فلقد فعلوا به ما فعلوا, وعندما اعتذروا-قبل عذرهم, وصفح عنهم الصفح الجميل; فلم يقرعهم, ولم يوبخهم, بل دعا لهم, وسأل الله لهم المغفرة لهم
6-الصفح عنهم ونسيان معايبهم, حتى ولو لم يعتذروا: فهذا مما يدل على كرم النفس, وعلو الهمة; فالعاقل اللبيب, يعفو عن أقاربه وينسى عيوبهم, ولا يذكرهم بها...
7-التواضع ولين الجانب: فهذا مما يحبب القرابة بالشخص, ويدنيهم منه, وصدق من قال:
من كان يحلم أن يسود عشيرة
فعليه بالتقوى ولين الجانب
ويغض طرفا عن مساوي من أسا
منهم ويحلم عند جهل الصاحب
8-التغاضي والتغافل: فالتغاضي والتغافل من أخلاق الأكابر والعظماء, وهو مما يعين على استبقاء المودة, واستجلابها, وعلى وأد العداوة وإخلاد المباغضة
ثم إنه دليل على سمو النفس, وشفافيتها, وهو مما يرفع المنزلة, ويعلي المكانة والتغاضي والتغافل حسن مع جميع الناس, وهو مع الأقارب أولى, وأحرى وأجمل
قال ابن حبان :من لم يعاشر الناس على لزوم الإغضاء عما يأتون من المكروه, وترك التوقع لما يأتون من المحبوب-كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه, وإلى أن يدفعه الوقت إلى العداوة والبغضاء أقرب منه أن ينال منهم الوداد وترك الشحناء"...
9-بذل المستطاع لهم: من الخدمة بالنفس, أو الجاه, أو المال
10-ترك المنة عليهم, والبعد عن مطالبتهم بالمثل: وقد مر بنا أن الواصل ليس بالمكافئ, فمما يعين على بقاء المودة أن يحرص الإنسان على أن يعطي أقاربه ولا يطالبهم بالمثل, وألا يمن عليهم بعطائه, أو زياراته, أو غير ذلك
11-توطين النفس على الرضا بالقليل من الأقارب: فالعاقل الكريم لا يستوفي حقه كاملا, بل يرضى بالقليل وبالعفو الذي يأتي من أقاربه, حتى يستميل بذلك قلوبهم, ويبقي على مودته لهم كما قيل:
إذا أنت لم تستبق ود صحابة
على دخن أكثرت بث المعايب
12-مراعاة أحوالهم, وفهم نفسايتهم, وإنزالهم منازلهم: فمن الأقارب من يرضى بالقليل, فتكفيه الزيارة السنوية, وتكفيه المكالمة الهاتفية, ومنهم من يرضى بطلاقة الوجه والصلة بالقول فحسب, ومنهم من يعفو عن حقه كاملا, ومنهم من لا يرضى إلا بالزيارة المستمرة, وبالملاحظة الدائمة; فمعاملتهم بمقتضى أحوالهم يعين على الصلة, واستبقاء المودة
13-ترك التكلف مع الأقارب ورفع الحرج عنهم: وهذا مما يغري بالصلة; فإذا علم الأقارب عن ذلك الشخص أنه قليل التكلف, وأنه يتسم بالسماحة-حرصوا على زيارته وصلته
14-تجنب الشدة في العتاب: حتى يألف الأقارب المجيء, ويفرحوا به; فالكريم هو الذي يعطي الناس حقوقهم, ويتغاضى عن حقه إذا قصر فيه أحد
ثم إن كان هناك من خطأ يستوجب العتاب فليكن عتابا لطيفا رقيقا
15-تحمل عتاب الأقارب وحمله على أحسن المحامل: وهذا أدب الفضلاء, ودأب النبلاء; ممن تمت مروءتهم, وكملت أخلاقهم, وتناهى سؤددهم, ممن وسعوا الناس بحلمهم, وحسن تربيتهم, وسعة أفقهم
فإذا ما عاتبهم أحد من الأقارب, وأغلظ عليهم لتقصيرهم في حقه-حملوا ذلك على أحسن المحامل; فيرون أن هذا المعاتب محب لهم, مشفق عليهم, حريص على مجيئهم, ويشعرونه بذلك, بل يعتذرون له من تقصيرهم; حتى تخف حدته, وتهدأ ثورتهفبعض الناس يقدر ويحب ويشفق, ولكنه لا يستطيع التعبير عن ذلك إلا بكثرة اللوم والعتاب
والكرام يحسنون التعامل مع هؤلاء, ويحملون كلامهم على أحسن المحامل, ولسان حالهم يقول: لو أخطأت في حسن أسلوبك لما أخطأت في حسن نيتك
16-الاعتدال في المزاح مع الأقارب: مع مراعاة أحوالهم, وتجنب المزاح مع من لا يتحمله
17-تجنب الخصام وكثرة الملاحاة والجدال العقيم مع الأقارب: فإن كثرة الخصام والملاحاة والجدال تورث البغضاء, والانتصار للنفس, والتشفي من الطرف الآخر, بل يحسن بالمرء مداراة أقاربه, والبعد عن كل ما من شأنه أن يكدر صفو الوداد معهم
18-المبادرة بالهدية إن حصل خلاف مع الأقارب: فالهدية تجلب المودة, وتكذب سوء الظن, وتستل سخائم القلوب....
19-أن يستحضر الإنسان أن أقاربه لحمة منه: فلا بد له منهم, ولا فكاك له عنهم, فعزهم عز له, وذلهم ذل له, والعرب تقول:أنفك منك وإن ذن وعيصك منك وإن كان أشبا
20-أن يعلم أن معاداة الأقارب شر وبلاء: فالرابح فيها خاسر, والمنتصر مهزوم...
21-الحرص التام على تذكر الأقارب في المناسبات والولائم: ومن الطرق المجدية في ذلك أن يسجل الإنسان أسماء أقاربه, وأرقام هواتفهم في ورقة, ثم يحفظها عنده, وإذا أراد دعوتهم فتح الورقة حتى يستحضرهم جميعا, ويتصل بهم إما بالذهاب إليهم, أو عبر الهاتف أو غير ذلك
ثم إن نسي واحدا منهم فليذهب إليه, وليعتذر منه, وليسع في رضاه ما استطاع إلى ذلك سبيلا
22-الحرص على إصلاح ذات البين: فمما ينبغي على الأقارب-وعلى الأخص من وهبهم الله محبة في النفوس-أن يبادروا إلى إصلاح ذات البين إذا فسدت, وألا يتوانوا في ذلك; لأنها إذا لم تصلح ويبادر في رأب صدعها فإن شرها سيستطير, وبلاءها سيكتوي بناره الجميع
23-تعجيل قسمة الميراث: حتى يأخذ كل واحد نصيبه, ولئلا تكثر الخصومات والمطالبات, ولأجل أن تكون العلاقة بين الأقارب خالصة صافية من المكدرات
24-الحرص على الوئام والاتفاق حال الشراكة: فإذا اشترك الأقارب في شراكة ما فليحرصوا كل الحرص على الوئام التام, والاتفاق في كل الأمور, وأن تسود بينهم روح الإيثار والمودة, والشورى والرحمة, والصدق والأمانة, وأن يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحبه لنفسه, وأن يعرف كل طرف ماله وما عليه
كما يحسن بهم أن يناقشوا المشكلات بمنتهى الوضوح والصراحة, وأن يحرصوا على التفاني, والإخلاص في العمل, وأن يتغاضى كل منهم عن صاحبه, ويجمل بهم-أيضا أن يكتبوا ما يتفقون عليه
فإذا ساروا على تلك الطريقة حلت فيهم الرحمة, وسادت بينهم المودة, ونزلت عليهم بركات الشركة
25-الاجتماعات الدورية: سواء كانت شهرية أو سنوية أو غير ذلك, فهذه الاجتماعات فيها خير كثير; ففيها التعارف, والتواصل, والتواصي, وغير ذلك خصوصا إذا كان يديرها أولو العلم, والحصافة
26-صندوق القرابة: الذي تجمع فيه تبرعات الأقارب واشتراكاتهم, ويشرف عليه بعض الأفراد, فإذا ما احتاج أحد من الأسرة مالا لزواج, أو نازلة, أوغير ذلك بادروا إلى دراسة حاله, وساعدوه ورفدوه; فهذا مما يولد المحبة, وينمي المودة
27-دليل الأقارب: فيحسن بالأقارب أن يقوم بعضهم بوضع دليل خاص, يحتوي على أرقام هواتف القرابة ثم يطبع ويوزع على جميع الأقارب, فهذا الصنيع يعين على الصلة, ويذكر المرء بأقاربه إذا أراد السلام عليهم, أو دعوتهم للمناسبات والولائم
28-الحذر من إحراج الأقارب: وذلك بالبعد عن كل سبب يوصل إلى ذلك, فيبتعد الإنسان عن الإثقال عليهم, وينأى عن تحميلهم ما لا يطيقون, ومما يدخل في هذا أن يراعي القرابة أحوال الوجهاء, وذوي اليسار في الأسرة فلا يكلفوهم ما يوقعهم في الحرج, ولا يلوموهم إذا قصروا في بعض الأمور مما لا طاقة لهم بها; فبعض الأسر تكلف وجهاءها وأكابرها ما لا يطيقون, ولا تعذرهم عند أي تقصير
29-الشورى بين الأقارب: فيحسن بالأقارب أن يكون لهم مجلس شورى, أو أن يكون لهم رؤوس يرجعون إليهم في الملمات وما ينوب الأسرة من النوازل; حتى يخرجوا برأي موحد, أو مناسب يرضي الله, ويوافق الحكمة والصواب
ويحسن بأولئك الرؤوس أن يكونوا من ذوي الرأي, والسداد, والحلم, والبصيرة, وبعد النظر
30-وأخيرا: يراعى في ذلك كله أن تكون الصلة قربة الله: خالصة لوجهه وحده لا شريك له, وأن تكون تعاونا على البر والتقوى, لا يقصد بها حمية الجاهلية ولا عبيتها"
وما ذكره الرجل هنا ليس آدابا للسلوك مع الأقارب وإنما الكثير منها أحكام فى التعامل مع كل الناس مسلمين ومعاهدين كما لا يوجد شىء اسمه صندوق القرابة وإنما هناك بيت مال المسلمين هو الذى يغنى الكل وحديثه هنا عن مجتمعات الفساد التى نعيش فيها وليس عن المجتمع المسلم الذى يتبع مبدأ الرحمة كما قال تعالى " رحماء بينهم"