نقد كتاب مسألة سبحان لنفطويه
الكتاب من تأليف أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكى لأزدى وهو فقيه ظاهرى نحوى بغدادى وسبب تأليف الكتاب هو أن جماعة تناقشوا فى معنى سبحان الله وفى هذا قال:
"نمى إلي خبر مجلس اجتمع فيه جماعة من المتفقهة والقراء وحملة العلم ، فتذاكروا معنى قول الله عز وجل : سبحان الله وخاضوا في ذلك خوضا لم يبلغوا فيه النهاية التي تشفي صدر السامع ، وتلحق بالمتبوع التابع"
الرجل سمع الأقوال فى معنى سبحان الله التى قيلت فى ذلك المجلس فلم يجد المعنى الصحيح ولذا عمل على تبيينه منا ظن فقال:
" وأنا أبين من ذلك ما فيه مقنع ، وأستعين بالله ، فأول ذلك : قوله للملائكة حين سألهم الله عز وجل عن الأسماء ؛ ليريهم أنه قد خلق من خلقه من هو أعلم منهم بتعليمه إياه ، فقال تبارك وتعالى : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فقد علم الله عز وجل أنه لا علم لهم بذلك ، وإنما أراهم العجز ، وأنه قد علم ذلك آدم صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم أي تنزيها لك أن يكون في خلقك من يعلم إلا ما علمته قبله ، ثم علمته إياه ، أو أن يعلم كون محدث إلا بإعلامك إياه ومعنى « سبحان » : التنزيه ، والتعظيم ، والتكبير ، والإبعاد فمعنى قوله : سبحان الله عما يصفون أي بعيد ذلك من صفات الله عز وجل ، وتنزيها لله عنه ، وقول القائل : سبحان الله عن هذا ، أي : برأته من هذا براءة ، ونزهته تنزيها ، ثم جعلت « سبحان » مكان ذلك ، فهي منصوبة على المصدر ، فأما قول الأعشى : أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاجر فنصب « سبحان » غير منون ، لأنه نوى الإضافة ، فالمعنى : تنزيها للفخر من أن يكون علقمة من أهله ، وأما قوله ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فقولهم « نسبح » أي ننزهك ونباعد عنك ما وصفت به من خلاف صفاتك ، وقوله : « بحمدك » أي برضاك ، ورضانا بذلك "
ما قاله المؤلف هنا معنى ليس واضح للناس وينبغى أن يكون واضحا للناس
سبحان تعنى السجود لله فقد فسر الله قوله تعالى :
"يسبح لله ما فى السموات وما فى الأرض"
بقوله :
"يسجد لله من فى السموات ومن فى الأرض"
وقوله:
"ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون"
ومن ثم فالمعنى هو الطاعة لله أى الطاعة لحكم الله وهو نفسه معنى الحق لله وحدى أى الحكم لله وحده
وجرنا نفطويه بطريق بعيد عن المعنى فى القرآن فقال :
"والتقديس : التطهير ، وبهذا سمي بيت المقدس ، أي بيت الطهارة . وبهذا سمي جبريل عليه السلام : روح القدس ، أي روح الطهارة ، قال حسان بن ثابت : أميناه روح القدس جبريل منهم وميكال ذو الوحي القوي المسدد وأما قوله : قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه أي تنزيها له عن ذلك ، وقوله : كل له قانتون القنوت : الطاعة فالمعنى : تنزيها له أن يكون من خلقه إلا مملوكا له ، ليس فيهم ولد ، ألا تسمع إلى قوله : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فالصمد : الذي يصمد إليه في الأمور ، لا نهاية بعده ، وهذا كلام العرب ، قال أوس بن حجر : ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد ، فهذا كلام العرب ، وقد قيل : الصمد : الذي لا يطعم ، فهذه السورة صفة الله عز وجل ، أثبت لنفسه التوحيد ، وأنه بخلاف خلقه ، كل والد ومولود وفيهم الأكفاء ، أي النظراء ، وكل ذلك غير لائق بصفات الله عز وجل ، قال الفرزدق : هم أنكحوا قبلي لبيدا وأنكحوا ضرارا وهم أكفاؤنا في المناصب وقوله في سورة آل عمران : سبحانك فقنا عذاب النار أي تنزيها لك عمن زعم أن خالقا سواك ، فقنا عذاب النار إيمانا بذلك وتصديقا ، إذ كان من لم يصدق ويسبح من أهل النار ، فنحن نسبح ونصدق ، فقنا ما تلوم غيرنا ، وقوله : ما خلقت هذا باطلا نحو قوله : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا أي : ما خلقت ذلك إلا لآمر وأنهى وأثيب وأعاقب ، وقوله في سورة النساء : سبحانه أن يكون له ولد أي تنزيها له عن ذلك ، ونحو من قوله سبحان الله : « الله أكبر » ، أي هو أعظم من كل عظيم . وكذلك معنى « سبحان » أي كل صفة دون صفاته ، وبعيد منه غير ما وصف به نفسه "
النحاة كغيرهم من القوم يستدلون على المعنى بأقوال الأعراب والشعراء مع أن كلام الله يفسر بعضه بعضا
والغريب أنه جرنا إلى معانى كلمات لا علاقة لله بالسبح مثل الصمد والقنوت
ثم ذكر بعض الـقوال التى جاءت فيها كلمات من جذر السبح وكلها له معنى واحد وهو طاعة الله فسبحانك تعنى طاعتك أى الطاعة لك وحدك وفى هذا قال:
"وأما قول عيسى عليه السلام : سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أي سبحانك عما قاله هؤلاء ، حين قالوا : إن عيسى صلى الله عليه إله ، وأنه ولد . ثم قال : إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب أي لم أقله ، ولو قلته لكنت علمته ، أي لم أقله ، ومثل هذا قوله : أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض أي بما لم يكن ؛ لأنه لو كان لعلمه ، وإنما النفي لما قالوه ، وقول القائل : ما علم الله أنه كان ذلك ، فإنما ينفي الكون ، أي لو كان لعلمه ، وقوله : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك أي تعلم ما أخفي ولا أعلم ما أخفيته عني ، ثم قال : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد وقد أحكمت هذه المسألة في كتاب « الشهادات » "
والرجل المفروض فى الفقرة السابقة أن يقتصر على معنى سبحانك ولكنه جرنا لتفسير الآية والآيات يعدها وهو كلام بعيد عن المسألة ثم تحدث عن قول أخر فقال :
"وأما قوله في سورة الأنعام : سبحانه وتعالى عما يصفون أي عما يصفون من الكذب ، وكذلك قوله : سيجزيهم وصفهم أي كذبهم ، وأما قوله في سورة الأعراف مخبرا عن موسى صلى الله عليه : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين فالمعنى : تنزيها لك أن يكون إلا ما أردته من أن أراك أو أن تمنعني ذلك وإنما طمع موسى عليه السلام في رؤية ربه حين كلمه ، فسأل ما يجوز عنده ، ولم يعنفه الله على ذلك ، فقال : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلم ييأس موسى عليه السلام من الرؤيا ، حتى رأى الجبل قد صار دكا ، وقد كان يجوز أن يستقر الجبل وأن يرى ربه ، فلما منعه الله من ذلك قال : سبحانك تبت إليك أي رجعت عما كنت سألت ، وأنا أول المؤمنين أي أول من آمن بما توحيه إلي ، وكذلك سائر الأنبياء هم أول أممهم إيمانا حين يأتيهم الوحي ، ثم يبلغون ، فيؤمن من يؤمن ، ويكفر من يكفر ، وذلك متقدم في علم الله عز وجل ، وغيبه ، مطوي عن الأنبياء ، فقال الله : إني اصطفيتك على النار برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك ، أي خذه أخذ القابل له ، والعامل به ، وكن من الشاكرين لما آتيتك من ذلك "
الغريب فى الفقرة الطويلة السابقة أنه ذكر كلمة سبحانه ولم يفسرها مع أنه فسر كل ما بعدها وما قبلها ثم فسر قول أخر بأنه التنزيه بالأسماء فقال :
"وقوله : إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه أي : ينزهونه بأسمائه ، ويسجدون له ، وقوله في سورة يونس : دعواهم فيها سبحانك اللهم أي هم في الجنة على تنزيه الله عما نزه عنه نفسه ، كما كانوا في الدنيا ، وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ، رضا بما أعطوه ، ونحو ذلك قوله تبارك وتعالى : رضي الله عنهم ورضوا عنه "
وهو كلام ليس صحيحا فالتنزيه بكون فى كل شىء وليس فى الألفاظ
وأما بقية الكتاب فيبدو أنه كلام مختلط فالروايات بعضها لا علاقة له بالتسبيح كالرواية التالية:
1 - حدثنا العباس بن محمد قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا سعيد بن زكريا ، عن عنبسة بن عبد الرحمن ، عن المعلى بن عرفان ، عن شقيق ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من رضي بما قسم الله له دخل الجنة » ."
فهنا لا علاقة للرضا بالمقسوم بالتسبيح ثم ذكر أقوال أتت فى المصحف من الجذر سبح فقال :
"وقوله : سبحانه عما يشركون ، و سبحانه هو الغني ، كل ذلك أصله ما وصفته لك . وقوله : سبح اسم ربك ، أي نزه اسمه عن غير ما سمى به نفسه . وقوله : فسبح بحمد ربك ، أي ادعه بأسمائه ، فنزهه بها عما قاله المخالفون . وكل ما كان في القرآن من قوله : فسبح بحمد ربك ، و سبح اسم ربك ، فمعناه كله : نزهه ، وعظمه من غير ما وصف الله به نفسه . وقوله في سورة الرعد : ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ، أي كل ينزهه ويعظمه بأسمائه ، وأسماء الله صفات له ، وصفات الله مدح . وكل من ذكر الله باسم من أسمائه فقد أطاعه ، إذا وصفه بصفته التي رضيها لنفسه ونفى سواها عنه . وكذلك قوله في الحجر : فسبح بحمد ربك ، وقوله في سورة النمل : سبحان الله عما يشركون ، أي تعظيما له ، وتنزيها عن إشراكهم به . ولست ترى ذكر سبحان في سائر القرآن إلا ومعها إثبات ونفي ، فالإثبات لأسمائه التي هي صفاته ، والنفي فيما سوى ذلك ، فتأمله تجده في سائر القرآن . "
ويصر نفطويه على أن التسبيح هو تنزيه الأسماء وهو كلام خاطىء فما الفائدة من تنزيه الأسماء مع الإشراك بالأعمال فمعنى يسبح الرعد بحمده أى يطيعه الرعد بحكمه والملائكة ومعنى سبحان الله عما يشركون هو الطاعة لله وليس ما يطيعون من دونه
وأكمل كلامه قائلا :
"كذلك قوله : ويجعلون لله البنات سبحانه ، وقوله : سبحان الذي أسرى بعبده ، أي تنزيها له ، وتعظيما عن قول المكذبين بأنبائه على ألسنة أنبيائه . وكذلك قوله : سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ، فهذا إثبات منه عز وعلا التسبيح من السماوات والأرض ، وأنه لا يفقه تسبيحهم إلا هو ، وإن شاء أن يعلم بعض خلقه بعض ذلك التسبيح علمه ، كما قال : علمنا منطق الطير ، فهذا مما لا يفقهه خلقه ، وإن شاء أن يعلمه إنسانا علمه"
وكلمه سبحان وسبحانه تعنى الطاعة
له وطاعته واجبة وحده
ثم ذكر رواية ما يقوله طائر الدراج وهو الرحمن على العرش استوى وهو ليس تسبيحا كلاميا حتى لعدم وجود اى كلمة من جذر سبح فى الجملة وهى :
2 - حدثنا محمد بن موسى قال : حدثنا أبو خزيمة العابد قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن محمد بن الصباح ، عن كعب قال : « صياح الدراج في السماء : الرحمن على العرش استوى »
وما قيل فى الرواية السابقة يقال فى الرواية التالية:
3 - حدثنا محمد بن موسى قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن قال : حدثنا مخلد بن عبيد ، عن فرقد السبخي قال : « مر سليمان بن داود عليه السلام بديك يصيح ، فقال : أتدرون ما يقول هذا الديك ؟ يقول : يا غافلين اذكروا الله » ."
ثم ذكر أقوال أخرى من المصحف فقال:
"وقوله في سورة مريم : سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، فهذا مع قصة عيسى عليه السلام ، وما ادعي في أمره مما نفاه الله . وقوله : فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ، أي اذكروا الله بأسمائه . والوحي هاهنا ، إنما هو إعلام من زكريا ، وقد ضرب على لسانه ، وذلك قوله : إلا رمزا ، والرمز : الإيماء ، والحركة . قال جرير : أمسى يرمز حاجبيه كأنه ذيخ له بقصيمتين وجار الذيخ : ذكر الضبع . فالإيحاء هاهنا في قصة زكريا : إعلام بغير كلام . وقد حكي أنه خط لهم في الأرض ، ولعمري ما تمنع اللغة من هذا أن يكون أعلمهم بأي جنس كان ، من غير أن يكلمهم . قال النجاشي : يخططن بالبطحاء وحيا علمنه على أنه أعيا على كل كاتب"
والفقرة السابقة لم يفسر فيها كلمة سبحانه وسبحوا إلا بنفس المعنى وهو تنزيه الأسماء وأتى فيها بكلام غريب لا علاقة بالموضوع ثم تعرض لأقوال أخرى فقال :
"وقوله في سورة طه : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار يوصيه بالأوقات : ابتداء النهار ، وآخره ، وأطرافه ، وآناء الليل ، وهي أوقاته : واحدها إنى وإني وإنو ، وأنشد أحمد بن يحيى : حلو ومر كعطف القدح مرته بكل إنى حداه الليل ينتعل وقوله : فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ، فهذه أوقات الصلاة . والصلاة الوسطى : العصر . وقوله : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ، فقد أمر الله عز وجل بالتسبيح ، ثم ذكر أوقاتا يحض على التسبيح فيها"
وما سبق مثل وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس يعنى وأطع حكم ربك ليلا وبقية الاية ونهارا وكذلك الأمر فى قوله فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون فمعناه فالطاعة لله فى المساء وفى الصباح
قم ذكر روايات تفسر الأواب بالمسبح وهو كلام صحيح وهى :
4 - حدثني الحنيني قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : كل له أواب قال : « مسبح لله »
5 - حدثنا إسحاق بن وهب العلاف ، ومحمد بن يونس ، قالا : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : يا جبال أوبي معه قال : « سبحي معه » قال أبو عبد الله : فكل من عظم الله وكبره ودعاه بأسمائه فهو مسبح له"
ثم ذكر أن التسبيح وبعض الأقوال أفضل من الدنيا كلها فقال :
"6 - حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لأن أقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس » . قال أبو عبد الله : فقد بينت لك معنى التسبيح ، ومعنى أسماء الله عز وجل أنها صفات له ومدح ، فكل من دعاه باسم من أسمائه فقد أطاعه ومدحه وعظمه وسبحه"
والكلام هنا خاطىء فليس كل من دعاه باسم من أسمائه فقد أطاعه ومدحه وعظمه فالطاعة ليست كلام بالأسماء وإنما هى قول وفعل يصدقه كما قال تعالى :
"يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
ثم ذكر روايات لا علاقة بها بموضوع التسبيح فقال :
7 - حدثنا العباس بن محمد قال : حدثنا يعلى بن عبيد قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليس أحد أغير من الله ؛ ولذلك حرم الفواحش . وليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل » . وقوله : فاذكروني أذكركم ، أي : اذكروني بأسمائي ، وعند تصرفكم وأحوالكم ، أذكركم برحمتي"
8 - حدثنا العباس بن محمد قال : حدثنا يعلى بن عبيد قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله : ولمن خاف مقام ربه جنتان قال : « من خاف مقام الله »
9 - حدثنا محمد بن عيسى الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم ، عن أبي الأحوص ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ولمن خاف مقام ربه جنتان قال : « هو أن يذكر الله عند المعصية فينحجز »
10 - حدثنا محمد بن عبد الملك قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا فضيل ، عن عطية ، في قوله : ولذكر الله أكبر قال : « ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله »"
وأما الرواية الأخيرة فى الكتاب فهى:
"11 - حدثنا محمد بن عبد الملك قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا فضيل ، عن عطية ، في قوله : فلولا أنه كان من المسبحين قال : « قبل ذلك » قال أبو عبد الله : يعني أنه كان يذكر الله في الرخاء ، فلما ذكره عند الشدة أنجاه ، ألا ترى أن فرعون لما أدركه الغرق قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ، فقال الله تبارك وتعالى : آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين . فلم يكن فرعون يذكر الله في الرخاء ، فلم يقبله في الشدة حين رأى بأسه . وكان يونس عليه السلام يذكر الله في الرخاء ، فأعانه في وقت الشدة ، وأنجى قومه من العذاب ، بعد أن قد أظلهم ، ولم يفعل ذلك بغيرهم من الأمم ، ألا تسمع إلى قوله عز وجل : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ، فقال الله تبارك وتعالى : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده ، أي هذه سنة الله ، فمن أهلك من الأمم إذا رأوا بأسه آمنوا ، ولو كانوا آمنوا بذلك الوعيد قبل وقوعه لنفعهم . وأما قوله عز وجل : فأصبحوا نادمين ، فأخذهم العذاب ، ذهب ناس من الناس إلى أن فيه تقديما وتأخيرا : فأخذهم العذاب فأصبحوا نادمين ، والآية يخرج معناها على ظاهره ، فيكون : فعقروها فأصبحوا نادمين لما أظلهم العذاب ، ورأوا علامات ذلك قبل أخذه إياهم ، ثم أخذهم"
فالمسبحين تعنى المطيعين وليس مجرد من يردد كلمة سبحان الله ونجد أن الرجل يذكر كلاما غريبا لا علاقة له بالتسبيح كغرق فرعون
الكتاب من تأليف أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكى لأزدى وهو فقيه ظاهرى نحوى بغدادى وسبب تأليف الكتاب هو أن جماعة تناقشوا فى معنى سبحان الله وفى هذا قال:
"نمى إلي خبر مجلس اجتمع فيه جماعة من المتفقهة والقراء وحملة العلم ، فتذاكروا معنى قول الله عز وجل : سبحان الله وخاضوا في ذلك خوضا لم يبلغوا فيه النهاية التي تشفي صدر السامع ، وتلحق بالمتبوع التابع"
الرجل سمع الأقوال فى معنى سبحان الله التى قيلت فى ذلك المجلس فلم يجد المعنى الصحيح ولذا عمل على تبيينه منا ظن فقال:
" وأنا أبين من ذلك ما فيه مقنع ، وأستعين بالله ، فأول ذلك : قوله للملائكة حين سألهم الله عز وجل عن الأسماء ؛ ليريهم أنه قد خلق من خلقه من هو أعلم منهم بتعليمه إياه ، فقال تبارك وتعالى : أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فقد علم الله عز وجل أنه لا علم لهم بذلك ، وإنما أراهم العجز ، وأنه قد علم ذلك آدم صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم أي تنزيها لك أن يكون في خلقك من يعلم إلا ما علمته قبله ، ثم علمته إياه ، أو أن يعلم كون محدث إلا بإعلامك إياه ومعنى « سبحان » : التنزيه ، والتعظيم ، والتكبير ، والإبعاد فمعنى قوله : سبحان الله عما يصفون أي بعيد ذلك من صفات الله عز وجل ، وتنزيها لله عنه ، وقول القائل : سبحان الله عن هذا ، أي : برأته من هذا براءة ، ونزهته تنزيها ، ثم جعلت « سبحان » مكان ذلك ، فهي منصوبة على المصدر ، فأما قول الأعشى : أقول لما جاءني فخره سبحان من علقمة الفاجر فنصب « سبحان » غير منون ، لأنه نوى الإضافة ، فالمعنى : تنزيها للفخر من أن يكون علقمة من أهله ، وأما قوله ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فقولهم « نسبح » أي ننزهك ونباعد عنك ما وصفت به من خلاف صفاتك ، وقوله : « بحمدك » أي برضاك ، ورضانا بذلك "
ما قاله المؤلف هنا معنى ليس واضح للناس وينبغى أن يكون واضحا للناس
سبحان تعنى السجود لله فقد فسر الله قوله تعالى :
"يسبح لله ما فى السموات وما فى الأرض"
بقوله :
"يسجد لله من فى السموات ومن فى الأرض"
وقوله:
"ولله يسجد ما فى السموات وما فى الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون"
ومن ثم فالمعنى هو الطاعة لله أى الطاعة لحكم الله وهو نفسه معنى الحق لله وحدى أى الحكم لله وحده
وجرنا نفطويه بطريق بعيد عن المعنى فى القرآن فقال :
"والتقديس : التطهير ، وبهذا سمي بيت المقدس ، أي بيت الطهارة . وبهذا سمي جبريل عليه السلام : روح القدس ، أي روح الطهارة ، قال حسان بن ثابت : أميناه روح القدس جبريل منهم وميكال ذو الوحي القوي المسدد وأما قوله : قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه أي تنزيها له عن ذلك ، وقوله : كل له قانتون القنوت : الطاعة فالمعنى : تنزيها له أن يكون من خلقه إلا مملوكا له ، ليس فيهم ولد ، ألا تسمع إلى قوله : قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فالصمد : الذي يصمد إليه في الأمور ، لا نهاية بعده ، وهذا كلام العرب ، قال أوس بن حجر : ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد ، فهذا كلام العرب ، وقد قيل : الصمد : الذي لا يطعم ، فهذه السورة صفة الله عز وجل ، أثبت لنفسه التوحيد ، وأنه بخلاف خلقه ، كل والد ومولود وفيهم الأكفاء ، أي النظراء ، وكل ذلك غير لائق بصفات الله عز وجل ، قال الفرزدق : هم أنكحوا قبلي لبيدا وأنكحوا ضرارا وهم أكفاؤنا في المناصب وقوله في سورة آل عمران : سبحانك فقنا عذاب النار أي تنزيها لك عمن زعم أن خالقا سواك ، فقنا عذاب النار إيمانا بذلك وتصديقا ، إذ كان من لم يصدق ويسبح من أهل النار ، فنحن نسبح ونصدق ، فقنا ما تلوم غيرنا ، وقوله : ما خلقت هذا باطلا نحو قوله : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا أي : ما خلقت ذلك إلا لآمر وأنهى وأثيب وأعاقب ، وقوله في سورة النساء : سبحانه أن يكون له ولد أي تنزيها له عن ذلك ، ونحو من قوله سبحان الله : « الله أكبر » ، أي هو أعظم من كل عظيم . وكذلك معنى « سبحان » أي كل صفة دون صفاته ، وبعيد منه غير ما وصف به نفسه "
النحاة كغيرهم من القوم يستدلون على المعنى بأقوال الأعراب والشعراء مع أن كلام الله يفسر بعضه بعضا
والغريب أنه جرنا إلى معانى كلمات لا علاقة لله بالسبح مثل الصمد والقنوت
ثم ذكر بعض الـقوال التى جاءت فيها كلمات من جذر السبح وكلها له معنى واحد وهو طاعة الله فسبحانك تعنى طاعتك أى الطاعة لك وحدك وفى هذا قال:
"وأما قول عيسى عليه السلام : سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق أي سبحانك عما قاله هؤلاء ، حين قالوا : إن عيسى صلى الله عليه إله ، وأنه ولد . ثم قال : إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب أي لم أقله ، ولو قلته لكنت علمته ، أي لم أقله ، ومثل هذا قوله : أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض أي بما لم يكن ؛ لأنه لو كان لعلمه ، وإنما النفي لما قالوه ، وقول القائل : ما علم الله أنه كان ذلك ، فإنما ينفي الكون ، أي لو كان لعلمه ، وقوله : تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك أي تعلم ما أخفي ولا أعلم ما أخفيته عني ، ثم قال : ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد وقد أحكمت هذه المسألة في كتاب « الشهادات » "
والرجل المفروض فى الفقرة السابقة أن يقتصر على معنى سبحانك ولكنه جرنا لتفسير الآية والآيات يعدها وهو كلام بعيد عن المسألة ثم تحدث عن قول أخر فقال :
"وأما قوله في سورة الأنعام : سبحانه وتعالى عما يصفون أي عما يصفون من الكذب ، وكذلك قوله : سيجزيهم وصفهم أي كذبهم ، وأما قوله في سورة الأعراف مخبرا عن موسى صلى الله عليه : سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين فالمعنى : تنزيها لك أن يكون إلا ما أردته من أن أراك أو أن تمنعني ذلك وإنما طمع موسى عليه السلام في رؤية ربه حين كلمه ، فسأل ما يجوز عنده ، ولم يعنفه الله على ذلك ، فقال : لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلم ييأس موسى عليه السلام من الرؤيا ، حتى رأى الجبل قد صار دكا ، وقد كان يجوز أن يستقر الجبل وأن يرى ربه ، فلما منعه الله من ذلك قال : سبحانك تبت إليك أي رجعت عما كنت سألت ، وأنا أول المؤمنين أي أول من آمن بما توحيه إلي ، وكذلك سائر الأنبياء هم أول أممهم إيمانا حين يأتيهم الوحي ، ثم يبلغون ، فيؤمن من يؤمن ، ويكفر من يكفر ، وذلك متقدم في علم الله عز وجل ، وغيبه ، مطوي عن الأنبياء ، فقال الله : إني اصطفيتك على النار برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك ، أي خذه أخذ القابل له ، والعامل به ، وكن من الشاكرين لما آتيتك من ذلك "
الغريب فى الفقرة الطويلة السابقة أنه ذكر كلمة سبحانه ولم يفسرها مع أنه فسر كل ما بعدها وما قبلها ثم فسر قول أخر بأنه التنزيه بالأسماء فقال :
"وقوله : إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه أي : ينزهونه بأسمائه ، ويسجدون له ، وقوله في سورة يونس : دعواهم فيها سبحانك اللهم أي هم في الجنة على تنزيه الله عما نزه عنه نفسه ، كما كانوا في الدنيا ، وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ، رضا بما أعطوه ، ونحو ذلك قوله تبارك وتعالى : رضي الله عنهم ورضوا عنه "
وهو كلام ليس صحيحا فالتنزيه بكون فى كل شىء وليس فى الألفاظ
وأما بقية الكتاب فيبدو أنه كلام مختلط فالروايات بعضها لا علاقة له بالتسبيح كالرواية التالية:
1 - حدثنا العباس بن محمد قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدثنا سعيد بن زكريا ، عن عنبسة بن عبد الرحمن ، عن المعلى بن عرفان ، عن شقيق ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من رضي بما قسم الله له دخل الجنة » ."
فهنا لا علاقة للرضا بالمقسوم بالتسبيح ثم ذكر أقوال أتت فى المصحف من الجذر سبح فقال :
"وقوله : سبحانه عما يشركون ، و سبحانه هو الغني ، كل ذلك أصله ما وصفته لك . وقوله : سبح اسم ربك ، أي نزه اسمه عن غير ما سمى به نفسه . وقوله : فسبح بحمد ربك ، أي ادعه بأسمائه ، فنزهه بها عما قاله المخالفون . وكل ما كان في القرآن من قوله : فسبح بحمد ربك ، و سبح اسم ربك ، فمعناه كله : نزهه ، وعظمه من غير ما وصف الله به نفسه . وقوله في سورة الرعد : ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ، أي كل ينزهه ويعظمه بأسمائه ، وأسماء الله صفات له ، وصفات الله مدح . وكل من ذكر الله باسم من أسمائه فقد أطاعه ، إذا وصفه بصفته التي رضيها لنفسه ونفى سواها عنه . وكذلك قوله في الحجر : فسبح بحمد ربك ، وقوله في سورة النمل : سبحان الله عما يشركون ، أي تعظيما له ، وتنزيها عن إشراكهم به . ولست ترى ذكر سبحان في سائر القرآن إلا ومعها إثبات ونفي ، فالإثبات لأسمائه التي هي صفاته ، والنفي فيما سوى ذلك ، فتأمله تجده في سائر القرآن . "
ويصر نفطويه على أن التسبيح هو تنزيه الأسماء وهو كلام خاطىء فما الفائدة من تنزيه الأسماء مع الإشراك بالأعمال فمعنى يسبح الرعد بحمده أى يطيعه الرعد بحكمه والملائكة ومعنى سبحان الله عما يشركون هو الطاعة لله وليس ما يطيعون من دونه
وأكمل كلامه قائلا :
"كذلك قوله : ويجعلون لله البنات سبحانه ، وقوله : سبحان الذي أسرى بعبده ، أي تنزيها له ، وتعظيما عن قول المكذبين بأنبائه على ألسنة أنبيائه . وكذلك قوله : سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ، فهذا إثبات منه عز وعلا التسبيح من السماوات والأرض ، وأنه لا يفقه تسبيحهم إلا هو ، وإن شاء أن يعلم بعض خلقه بعض ذلك التسبيح علمه ، كما قال : علمنا منطق الطير ، فهذا مما لا يفقهه خلقه ، وإن شاء أن يعلمه إنسانا علمه"
وكلمه سبحان وسبحانه تعنى الطاعة
له وطاعته واجبة وحده
ثم ذكر رواية ما يقوله طائر الدراج وهو الرحمن على العرش استوى وهو ليس تسبيحا كلاميا حتى لعدم وجود اى كلمة من جذر سبح فى الجملة وهى :
2 - حدثنا محمد بن موسى قال : حدثنا أبو خزيمة العابد قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن محمد بن الصباح ، عن كعب قال : « صياح الدراج في السماء : الرحمن على العرش استوى »
وما قيل فى الرواية السابقة يقال فى الرواية التالية:
3 - حدثنا محمد بن موسى قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن قال : حدثنا مخلد بن عبيد ، عن فرقد السبخي قال : « مر سليمان بن داود عليه السلام بديك يصيح ، فقال : أتدرون ما يقول هذا الديك ؟ يقول : يا غافلين اذكروا الله » ."
ثم ذكر أقوال أخرى من المصحف فقال:
"وقوله في سورة مريم : سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ، فهذا مع قصة عيسى عليه السلام ، وما ادعي في أمره مما نفاه الله . وقوله : فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ، أي اذكروا الله بأسمائه . والوحي هاهنا ، إنما هو إعلام من زكريا ، وقد ضرب على لسانه ، وذلك قوله : إلا رمزا ، والرمز : الإيماء ، والحركة . قال جرير : أمسى يرمز حاجبيه كأنه ذيخ له بقصيمتين وجار الذيخ : ذكر الضبع . فالإيحاء هاهنا في قصة زكريا : إعلام بغير كلام . وقد حكي أنه خط لهم في الأرض ، ولعمري ما تمنع اللغة من هذا أن يكون أعلمهم بأي جنس كان ، من غير أن يكلمهم . قال النجاشي : يخططن بالبطحاء وحيا علمنه على أنه أعيا على كل كاتب"
والفقرة السابقة لم يفسر فيها كلمة سبحانه وسبحوا إلا بنفس المعنى وهو تنزيه الأسماء وأتى فيها بكلام غريب لا علاقة بالموضوع ثم تعرض لأقوال أخرى فقال :
"وقوله في سورة طه : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار يوصيه بالأوقات : ابتداء النهار ، وآخره ، وأطرافه ، وآناء الليل ، وهي أوقاته : واحدها إنى وإني وإنو ، وأنشد أحمد بن يحيى : حلو ومر كعطف القدح مرته بكل إنى حداه الليل ينتعل وقوله : فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون ، فهذه أوقات الصلاة . والصلاة الوسطى : العصر . وقوله : وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود ، فقد أمر الله عز وجل بالتسبيح ، ثم ذكر أوقاتا يحض على التسبيح فيها"
وما سبق مثل وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس يعنى وأطع حكم ربك ليلا وبقية الاية ونهارا وكذلك الأمر فى قوله فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون فمعناه فالطاعة لله فى المساء وفى الصباح
قم ذكر روايات تفسر الأواب بالمسبح وهو كلام صحيح وهى :
4 - حدثني الحنيني قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : كل له أواب قال : « مسبح لله »
5 - حدثنا إسحاق بن وهب العلاف ، ومحمد بن يونس ، قالا : حدثنا أبو داود الطيالسي قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : يا جبال أوبي معه قال : « سبحي معه » قال أبو عبد الله : فكل من عظم الله وكبره ودعاه بأسمائه فهو مسبح له"
ثم ذكر أن التسبيح وبعض الأقوال أفضل من الدنيا كلها فقال :
"6 - حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لأن أقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس » . قال أبو عبد الله : فقد بينت لك معنى التسبيح ، ومعنى أسماء الله عز وجل أنها صفات له ومدح ، فكل من دعاه باسم من أسمائه فقد أطاعه ومدحه وعظمه وسبحه"
والكلام هنا خاطىء فليس كل من دعاه باسم من أسمائه فقد أطاعه ومدحه وعظمه فالطاعة ليست كلام بالأسماء وإنما هى قول وفعل يصدقه كما قال تعالى :
"يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"
ثم ذكر روايات لا علاقة بها بموضوع التسبيح فقال :
7 - حدثنا العباس بن محمد قال : حدثنا يعلى بن عبيد قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليس أحد أغير من الله ؛ ولذلك حرم الفواحش . وليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل » . وقوله : فاذكروني أذكركم ، أي : اذكروني بأسمائي ، وعند تصرفكم وأحوالكم ، أذكركم برحمتي"
8 - حدثنا العباس بن محمد قال : حدثنا يعلى بن عبيد قال : حدثنا الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله : ولمن خاف مقام ربه جنتان قال : « من خاف مقام الله »
9 - حدثنا محمد بن عيسى الواسطي قال : حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم ، عن أبي الأحوص ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ولمن خاف مقام ربه جنتان قال : « هو أن يذكر الله عند المعصية فينحجز »
10 - حدثنا محمد بن عبد الملك قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا فضيل ، عن عطية ، في قوله : ولذكر الله أكبر قال : « ذكر الله العبد أكبر من ذكر العبد لله »"
وأما الرواية الأخيرة فى الكتاب فهى:
"11 - حدثنا محمد بن عبد الملك قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا فضيل ، عن عطية ، في قوله : فلولا أنه كان من المسبحين قال : « قبل ذلك » قال أبو عبد الله : يعني أنه كان يذكر الله في الرخاء ، فلما ذكره عند الشدة أنجاه ، ألا ترى أن فرعون لما أدركه الغرق قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ، فقال الله تبارك وتعالى : آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين . فلم يكن فرعون يذكر الله في الرخاء ، فلم يقبله في الشدة حين رأى بأسه . وكان يونس عليه السلام يذكر الله في الرخاء ، فأعانه في وقت الشدة ، وأنجى قومه من العذاب ، بعد أن قد أظلهم ، ولم يفعل ذلك بغيرهم من الأمم ، ألا تسمع إلى قوله عز وجل : فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين ، فقال الله تبارك وتعالى : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده ، أي هذه سنة الله ، فمن أهلك من الأمم إذا رأوا بأسه آمنوا ، ولو كانوا آمنوا بذلك الوعيد قبل وقوعه لنفعهم . وأما قوله عز وجل : فأصبحوا نادمين ، فأخذهم العذاب ، ذهب ناس من الناس إلى أن فيه تقديما وتأخيرا : فأخذهم العذاب فأصبحوا نادمين ، والآية يخرج معناها على ظاهره ، فيكون : فعقروها فأصبحوا نادمين لما أظلهم العذاب ، ورأوا علامات ذلك قبل أخذه إياهم ، ثم أخذهم"
فالمسبحين تعنى المطيعين وليس مجرد من يردد كلمة سبحان الله ونجد أن الرجل يذكر كلاما غريبا لا علاقة له بالتسبيح كغرق فرعون