قراءة فى كتاب سر الخليقة و فلسفه الحياة
المؤلف عادل العلوى والكتاب يدور حول سبب خلق الله للكون ويستهله الرجل بالحديث عن أن الإنسان مهما بلغ من العلوم فى الأرض والسموات فهو يدور داخل نفسه وأن علمه مهما كثر قليل وفى هذا قال :
"مهما بلغ الإنسان في سير تقدمه العلمي وتمدنه الحضاري المزدهر بأحدث الصناعات والتكنولوجيا، فإنه لا يزال يدور في فلك من المجهولات الآفاقية والأنفسية، فلو تسلق سلم العلوم والفنون وسخر الفضاء والقمر، فإنه لا يكاد يري نفسه إلا في بداية الطريق، وأن معلوماته وما كشفه ليست إلا كالقطرة أمام البحر الهائج من مجهولات الكون وأسراره، ولو وضع جهله تحت أقدامه لنطح رأسه السماء السابعة، ولا زالت جبال المجهولات لم تفتح قممها الشامخة التي تعلو السحاب، فإنه ما اوتيتم من العلم إلا قليلا، وفوق كل ذي علم عليم"
وتحدث عن حب الإنسان للتفكير الذى يبنى عليه كشف الحقائق فقال :
"ولكن مهما كان من الأمر فإن الإنسان خلق مفطورا علي التفكير، وقد أودع الله سبحانه فيه حب الاستطلاع وكشف الحقائق وفك رموز أسرار الحياة، فهو بجبلته لحكمة ربانية، يمتاز بالطموح والعمل الدؤوب المتواصل، يبحث دوما عن المجهولات الكونية، ليكشفها ويرفع القناع والستار عن حقيقتها وذاتها، فلا يفتر في طلب العلم، وإنه يسفك المهج ويخوض اللجج من أجله"
ثم حدثنا أن المجهول الأعظم عند الإنسان هو سر الحياة وفلسفة الخلقة فقال:
"ومن أعظم وأكبر مجهولاته، والذي ساير موكب البشرية منذ البداية وإلي يومنا هذا وغدا، هو أن يكشف سر الحياة وفلسفة الخلقة والهدف من هذا الكون الرحب، فما هي فلسفة الحياة؟!"
والحقيقة أن سر الحياة ليس سرا فهو معلن فى القرآن والحقيقة ألأخرى أن معظم الناس لا يفكرون فى المسألة فهذه المسألة تهم إما من يدعو للدين أو من يشك فيه وحدثنا عن خلاصة الأقوال فى الموضوع مكبرا الموضوع ومهولا إياه رغم بساطته ووضوحه فقال :
"خلاصة الأقوال:
مهما تعمق الباحث عن الحقيقة في هذا السؤال الرهيب، فإنه يري نفسه قد انغمر في بحار متلاطمة الأمواج، بعيدة الغور والمدي، وبلا ساحل يرتجي ...فأقول مقدمة: إن الإنسان منذ أن خلق وعرف نفسه، فإنه يسأل عن علة وجوده وحكمة خلقه وفلسفة حياته، ومن ثم ما هو الهدف والغاية من خلقة هذا الكون العظيم الدقيق ...؟ ولماذا هذه الدنيا التي شحنت بألوان الشقاء والعذاب والأهوال والأحداث كالزلازل والفيضانات والحروب، وكثير من الناس يشعر بالتعاسة والبؤس والحرمان؟!"
وبعد طرح السؤال عن سبب الخلق زودنا بوجهة النظر الخاطئة الأولى وهى أننا مخلوقون للتزود بالمتع الدنيوية فقال :
"قد اختلف الجواب عن ذلك، فمن كان متوغلا في الملاذ والشهوات وتغلبت عليه القوة البهيمية، وجذبته المادة وزخارف العيش، يجيب عن السؤال: بأنه خلقنا للأكل والشرب والتزود من الملذات الدنيوية، وأن السعيد من حاز علي نصيب أوفر منها فإنهم لم يؤمنوا بالمعاد وبحياة اخري، كما قال الله تعالي في كتابه الكريم عن لسانهم:
(وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون)
(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوي لهم) "
وأما وجهات النظر الأخرى فالبعض السبب خلقنا للشفاء والوجهة الثانية خلقنا للسعادة وهو قوله:
"ومنهم من يجيب أنه خلقنا للشقاء، فإن الحياة كلها شقاء ونصب وتعب، ومنهم من يقول: خلق بعضنا للسعادة والبعض الآخر للشقاء، وهذا رأي الأشاعرة"
ورد الرجل تلك الوجهات فقال :
" وهذا كله من الجهل والرجم بالغيب"
ثم نمقل وجهات نظر أخرى تقول:
" وقال بعض المتكلمين: إن التكليف من الله سبحانه هو وجه الحكمة الذي لأجله حسن من الله تعالي خلق العالم بما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد، فالله سبحانه خلق كل شيء للإنسان وخلق الإنسان ليكلفه ثم يثيبه، فإن الثواب هو العطاء الاستحقاقي والنفع المستحق علي الله تعالي علي سبيل التعظيم والإجلال ولا يكون إلا للمكلفين، كثمرة التكليف حسب استحقاقهم ذلك وقال بعضهم: خلق الله الخلق لأن الأمر أمره، والملك ملكه، ولا ينفعهم ولا يضرهم، ولا لوجه يخرج به عن كونه عبثا وقال آخر: خلق الله الخلق لإظهار قدرته وقوته، فبعض الخلق للنار، وبعض للجنة وذهب بعض الحكماء: إلي أن الخلق لا لغرض أعلي من صدوره لغرض، لما فيه من احتمال النقص لو صدر لغرض وعند بعض الفلاسفة خلاف ذلك بأن الخلق لا لغرض هو الذي يدل علي النقص"
وحدثنا عن أن وجهة النظر السليمة هى قول الأمامية وهى خلق الله الأشياء من أجل الإنسان فقال :
"القول السليم:
والرأي الصائب كما هو معتقد الإمامية: إنما خلق الله الأشياء من أجل الإنسان:
(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا)
وخلق الإنسان من أجل تكامله، فخلقنا لنتكامل ونتزود بالعلم والمعرفة والتقوي لنيل النعيم الأبدي، وليكون الإنسان خليفة الله في ظهور أسمائه الحسني وصفاته العليا، فخلقنا من الرحمة الإلهية ونشأنا بالرحمة، ونرجع بالعلم والعبادة إلي رحمة الله تعالي، ..."
وبالقطع ما نقله ليس صحيحا تماما فكتب المسلمين من كل الفرق فيها الحقيقية وهى :
أن الكون خلق لابتلاء الناس أيهم أحسن عملا وفى هذا قال سبحانه :
"الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
وحدثنا حديثا فلسفيا على انقسام المعانى فقال :
"توضيح ذلك: أن المعاني والمفاهيم علي قسمين: إما حقيقية ـ كالإنسان والحيوان ـ بحيث لا يتوقف تصورها وتعقلها علي معان اخري، وإما إضافية ـ أي بالإضافة إلي الغير ـ فإن تعقلها وتصورها يتوقف علي معان اخري كالعلم والعشق، حيث العلم رابط بين العالم والمعلوم، وإنما نتصور العشق بعد تصور العاشق والمعشوق والخلق مصدر من (خلق، يخلق، خلقا) يتوقف تصوره علي معني الخالق والمخلوق فهو رابط بينهما والحاصل منهما، فإذا أردنا أن نقف علي سر الخلق والخليقة فلا بد أن نتصور سر الخالق وسر المخلوق، وبعبارة اخري سر العلة الاولي والمسمي بعلة العلل وهو واجب الوجود لذاته، وسر المعلول، وهو ما سوي الله سبحانه وتعالي وهو ممكن الوجود لذاته، فإن الله سبحانه وتعالي علي حسب تعبير فلاسفة المشاء هو علة العلل، وما سواه المعلولات وإن كانت بعضها لبعض عللا"
وهذا الكلام لا لزوم الله فالمسألة أبسط من تمحكات وتقاسيم الفلاسفة الذى عاد له فقال :
"وربما يقال: إن الله سبحانه فوق أن يوصف بذلك، فهو خالق العلة والمعلول فكيف يتأطر بمخلوقه ويدخل ضمن نظام العلة والمعلول، كما يلزم قدم العالم بقدم علته، إذ لا انفكاك بين العلة والمعلول، فيلزم أن يكون موجبا ويسلب منه القدرة والاختيار، وكيف يكون ذلك؟ فإن لازمه نفي الذات، فإن القدرة عينها، فلا بد من معرفة الخالق والمخلوق حتي نشرف علي سر الخلق .."
وتحدث عن سر الخالق مبينا أنه لا يقصد الذات وإنما التفكير فى الأسماء والصفات مدعيا النهى عن الأولى والمر بالثانية فقال :
"سر الخالق:
ربما يقال لا يمكن معرفة سر الخالق، إذ الإنسان الممكن الفقير في وجوده وبقائه إنما هو محاط بعلم الله وقدرته، فإن الله هو المحيط العليم القدير، فكيف المحاط يدرك المحيط، وكيف بالإنسان يدرك سر الله سبحانه في خالقيته؟ فإنه يستحيل ذلك ولكن الحديث ليس في ذات الله وسر كنهه حتي يلزم الضلال والحيرة والكفر، لأنا نهينا أن نفكر في ذات الله سبحانه، وإنما أمرنا أن نفكر في صفاته وأسمائه، ...."
ولا يوجد دليل على ما ذهب إليه الرجل فالله لم ينهانا عن التفكير ولم يأمرنا بالتفكير فى الأسماء والصفات لسبب بسيط وهو أن الله عرفنا نفسه فى القرآن فقال " ليس كمثله شىء" و" هل تعلم له سميا"وذكر لنا ما يتعلق به من علم وقدرة ورحمة وغير هذا من خلال الآيات ومن ثم فالتفكير فيه بعد كل تلك الآيات مخالفة للكتاب نفسه لأن التفكير يكون فى المجهول وليس فى المعلوم
وضرب العلوى لنا أمثلة فقال :
"والله المطلق في صفاته الثبوتية الذاتية والفعلية سبحانه وتعالي، من كماله المطلق: أن تتجلي صفاته في مصنوعاته ومخلوقاته، فإن من يجيد هندسة الطائرة النفاثة إنما تظهر جودته وكماله في هندسته، لو صنع لنا الطائرة، وفاق أقرانه في إيجادها وإتقانها وطيرانها فلولا الصنع لما عرفنا كماله، ومن الوجدانيات ـ والوجداني من البديهيات ـ أن من يملك الصوت الجميل مثلا، فإنه يحاول بين الأقران والأخلاء أن يغرد ويظهر صوته، فيتغني ويترنم، ...فمقتضي الكمال وطبيعته الذاتية أن يظهر نفسه، فهو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره كالنور ولما كان الله سبحانه مطلق الكمال ...فيظهر علمه وقدرته وحياته وأسمائه الحسني في مخلوقاته ومصنوعاته، الأقرب فالأقرب، والصادر الأول منه الذي يحمل أسماء الله وصفاته علي وجه أتم، وهو الإنسان الجامع والذي يعبر عنه بالحقيقة المحمدية "
والأخطاء فى الفقرة عدة أولها أن شبه الله بالناس المخترعين والمغنيين الذين يريدون الشهرة باظهار قدراتهم والله لو صدقنا كلام العلوى فى هذا لكان معناه أن فقير إلى الشهرة التى يسمونه المعرفة وبهذا يكون به عيب ونقص تعالى عن ذلك وهو حاجة أن يعرفه خلقه وقد استدل العلوى على هذا بحديث منكر فقال :
"ورد في الحديث القدسي عن الله سبحانه: (كنت كنزا مخفيا فخلقت الخلق لكي اعرف)، فخلق ليظهر قدرته كما ورد في الحديث الشريف ـ كما سنذكره "
وكما سبق القول الحديث لم يقله النبى(ص) لأنه اتهام الله بالحاجة إلى غيره وهى معرفتهم إياه كما يتعارض مع سبب الخلق فى القرآن وهو " ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
وكالعادة عند أهل كل مذهب فى مدح أنفسهم جعل أئمته هم العارفون سر الخالق بينما غيرهم جهلة فقال :
"فالخلق مظهر لأسماء الله وصفاته وإنما يقف علي كنه هذه الحقيقة وسرها الأنبياء والأوصياء والأولياء الأمثل فالأمثل، كما جاء في زيارة الجامعة في زيارة الأئمة المعصومين (السلام علي حملة سر الله)، فأهل البيت هم حملة الأسرار وهم أدري بما في البيت، فلا نطرق باب سر الخالق أكثر من أن نقول ـ إن صح التعبير والقول ـ: إن الله سبحانه هو الكمال المطلق، ومن كمال كماله أن يتجلي ويظهر في كل شيء كما يقول أمير المؤمنين : (ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ومعه وبعده)، وقد ورد في دعاء سحر شهر رمضان: (اللهم إني أسألك من كمالك بأكمله وكل كمالك كامل، اللهم إني أسألك بكمالك كله)، وأن الله جميل ويحب الجمال، ومن جماله أن يظهر جماله (اللهم إني أسألك من جمالك بأجمله وكل جمالك جميل، اللهم إني أسألك بجمالك كله)"
وما نقله الرجل يتعارض مع إبلاغ وهو إعلام النبى(ص) الوحى للناس فى عصره فهو بهذه الفرية معرفة على والأئمة فقط يقول لنا أن النبى(ص) لم يعلم الناس الوحى كاملا وهو ما يخالف أنه أطاع أمر الله فبلغ الوحى كما قال:
" هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة"
وحدثنا عن سر المخلوق فقال :
"سر المخلوق في القرآن و السنة
هذا و إنما نطلق العنان في سر المخلوق، فإن الله سبحانه خلق السماوات والأرض وما بينهما من أجل الإنسان كما في قوله تعالي:
(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض)
وجاء في الحديث القدسي في خطاب الله سبحانه للإنسان: (خلقت الأشياء من أجلك، وخلقتك من أجلي)
فإن الله جل جلاله خلق الكائنات وما في الطبيعة وما وراءها من أجل الإنسان، وخلق الإنسان ذلك الكائن الذي لا يزال مجهولا من أجله سبحانه، فهو خليفة الله في الأرض:
(إني جاعل في الأرض خليفة) "
وما قاله الرجل خطأ فالله لم يقل أنه خلق الكون من أجل الإنسان وإنما سخر له ما فى الكون فهناك فارق فلو كان مخلوقا من أجل الإنسان فلماذا يعذب الكفار إذا؟
ويحدثنا العلوى عن أن سر الخلق وفلسفة الحياة في حقائق ثلاثة: الرحمة والعلم والعبادة فيقول:
"والقرآن الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم يلخص لنا سر الخلق وفلسفة الحياة في حقائق ثلاثة: الرحمة والعلم والعبادة
آية الرحمة:
قال الله تعالي:
(ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)
آية العلم:
وقال سبحانه:
(الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما)
آية العبادة:
وقال جل جلاله:
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق في قوله: (إلا ليعبدون) أي: إلا ليعرفون، فإن العبادة لا تتم ولا تصح إلا بعد المعرفة، فما خلق الجن والإنس إلا ليعرفوه وإذا عرفوه عبدوه، فهو من باب إطلاق السبب علي المسبب"
وما قاله الرجل هنا عن سر الخلق خطأ فلو كان الكون مخلوقا للناس ما رحم بعضهم كما تقول الآية الأولى وعذب الآخرين وهم الكثرة وأما العلم بقدرة الله وعلمه فليس هو الهدف من الخلق لأن الآية لا تتحدث عن السبب وتخبرنا بالخلق والوحى وأما آية أو آيات السبب الصريحة الواضحة فهى :
" الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم أحسن عملا"
وقال :
"إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا"
والآية الثالثة لا تتحدث عن خلق الكون وإنما تتحدث عن سبب خلق الناس وهو عبادة الله وهناك فارق بين خلق الكون وخلق الناس
ونقل الرجل لنا من بطون الكتب نقولا فى الموضوع هى :
"في كتاب تحف العقول عن الإمام أبي جعفر الباقر قال: (لا يقبل عمل إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بعمل، ومن عرف دلته معرفته علي العمل، ومن لم يعرف فلا عمل)"
القول لا علاقة له بسبب الخلق والقول الثانىهو:
وجاء في علل الشرائع بسنده عن أبي عبد الله قال: خرج الحسين ابن علي علي أصحابه فقال: أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل: يا ابن رسول الله، بأبي أنت وامي، فما معرفة الله؟ قال : معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته
قال مصنف الكتاب الشيخ الصدوق: يعني بذلك أن يعلم أهل كل زمان أن الله هو الذي لا يخليهم في كل زمان عن إمام معصوم، فمن عبد ربا لم يقم لهم الحجة، فإنما عبد غير الله عز وجل
وإن الأئمة الأطهار ـ كما هو ثابت في محله ـ هم باب الله الذي منه يؤتي، ولولاهم لما عرف الله سبحانه، وإنهم السبب المتصل بين السماء والأرض، ووجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء "
والقول السابق وشروحه يخالف القرآن لأنه جعل معرفة الله هى معرفة واحد من خلقه هو الإمام المعصوم ولامعصوم فى الإسلام لأن الكل يرتكب ذنوب حتى الرسل(ص) كما قال تعالى :
"واستغفر لذنبك" وحتى الملائكة اعترضت على خلق آدم (ص)
والقول الثالث يخالف القول الثانى فى كون السبب معرفة الله بمعرفة الإمام فيقول أن السبب خلقهم لإظهار قدرته وهو :
"عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد فقلت له: لم خلق الله الخلق؟ فقال: إن الله تبارك وتعالي لم يخلق خلقه عبثا، ولم يتركهم سدي، بل خلقهم لإظهار قدرته، وليكلفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلي نعيم الأبد"
والقول الرابع عن الإمام الأول يخالف أقوال الأئمة بعده وهو أن السبب ربح الإنسان من الله وهو :
"في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين : يقول الله تعالي: يا بن آدم لم أخلقك لأربح عليك، إنما خلقتك لتربح علي، فاتخذني بدلا من كل شيء فإني ناصر لك من كل شيء"
والخامس يخالف ما سبق فيقول أن السبب عبادة الله وهو:
"عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: وسألته عن قول الله عز وجل: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)، قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم
عن جميل بن دراج، قال: قلت لأبي عبد الله : جعلت فداك، ما معني قول الله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فقال: خلقهم للعبادة، قلت: خاصة أم عامة؟ قال: بل عامة"
ثم فسر الرجل آية العبادة بالنقل من التفاسير فقال :
"تفسير آية العبادة
جاء في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي في قوله تعالي: (إلا ليعبدون) اللام فيه للغرض، إذ أ نه استثناء من النفي، ولا ريب في ظهوره في أن للخلقة غرضا، وأن الغرض العبادة، بمعني كونهم عابدين لله، لا كونه معبودا، فقد قال: (ليعبدون) ولم يقل: (لأعبد) أو (لأكون معبودا لهم) فالعبادة غرض لخلقة الإنسان، وكمال عائد إليه، ولو كان للعبادة غرض كالمعرفة الحاصلة بها والخلوص لله، كان هو الغرض الأقصي والعبادة غرضا متوسطا ـ وربما هذا معني قول الإمام : (ليعرفون) ـ
لا يقال: كون اللام في (ليعبدون) للغرض يعارضه قوله تعالي: (لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)، فإن الظاهر كون الغرض من الخلقة الاختلاف
كما يعارض قوله تعالي: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) فظاهره كون الغرض من خلق كثير من الجن والإنس دخول جهنم
لأنه يقال: أما الآية الاولي فالإشارة فيها إلي الرحمة دون الاختلاف، وأما الثانية فاللام للغرض لكنه غرض تبعي وبالقصد الثاني، لا كما في (ليعبدون)....."
وكل هذا الكلام فى التناقض وانعدامه سببه عدم التفرقة بين سبب خلق الناس وسبب خلق الكون فالناس خلقوا من أجل العبادة ولكن الله أعطاهم حرية الإرادة فى العبادة وعدمها وهذا هو سبب خلق الكون " ليبلوكم أيكم أيكم أحسن عملا"
فلو كان المعنى أن الناس يعبدوه ما وقع فى كونه شىء من المعصية ولكن يتحدث عن المطلوب من الناس وحدثنا عن حقيقة العبادة فقال :
"فحقيقة العبادة نصب العبد نفسه في مقام الذلة والعبودية، وتوجيه وجهه إلي مقام ربه، وهذا هو مراد من فسر العبادة بالمعرفة، يعني المعرفة الحاصلة بالعبادة
فحقيقة العبادة هي الغرض الأقصي من الخلقة، وهي أن ينقطع العبد عن نفسه وعن كل شيء ويذكر ربه الغني المحض والعزيز المطلق، فيري نفسه فقيرا مملوكا لرب العالمين، فيسلم أمره إليه، فإنه هو الضار وهو النافع والإنسان لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا
وأول العلم معرفة الجبار، وآخر العلم تفويض الأمر إليه، فالإنسان الكامل من كان بين المعرفة والتفويض، متزينا بالعبادة، والدعاء روح العبادة:
(قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)
وعبادتكم، فإن الدعاء مخ العبادة ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ والعبادة هي غرض الفعل، أي كمال عائد إليه لا إلي الفاعل
ويظهر من النفي والاستثناء في الآية الشريفة، الذي هو من القصر ـ كما في علم البلاغة ـ أن لا عناية لله بمن لا يعبده، كما يفيده قوله تعالي:
(قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)
وهذا يدل علي أهمية الدعاء والعبادة ولعل تقديم الجن علي الإنس في آية (ليعبدون) لسبق خلقهم علي خلق الإنس، قال تعالي:
(والجان خلقناه من قبل من نار السموم)"
وهناك فهم خاطىء للدعاء فليس هو مجرد الطب من الله كما يعتقد الكثيرون فالدعاء فى الآية المذكورة هو نفسه العبادة وأدخلنا الرجل فى متاهات علم الفلسفة والكلام بالحديث عن المعرفة والتفويض وهى كلمة معناها أنه لا خيرة للمسلم فى أى أمر قضاه الله أى أنزل فيه حكم ,أما المعانى ألأخرى له فهى خارج نطاق الإسلام والتى تعنى الاستسلام للقضاء والقدر ولا أدرى كيف يستسلم الإنسان لشىء يجهله فالاستسلام هو للمعروف من أحكام الله
ثم حدثنا عن كون معرفة الله اكتسابية ونظرية وبديهية وضرورية فقال :
ثم قد وقع نزاع بين الأعلام في علم الكلام في معرفة الله سبحانه، بأ نها اكتسابية ونظرية، أو أنها بديهية وضرورية والحق أنها من النظريات كما عند محققي المتكلمين في قولهم: إن النظر أول الواجبات علي المكلفين"
وهى مسألة لا يمكن الوصول لها بالتفكير المجرد وإنما الوصول لها عن طريق الوحى ثم حدثنا عن حث الإسلام الإنسان على التفكير فقال :
"وإن الآيات القرآنية والروايات الشريفة تحث الإنسان علي النظر والاستدلال والتعقل والتفكر والتدبر، في المعرفة بالله تعالي وتوحيده وكمال قدرته وعلمه وغاية حكمته قال الله تعالي:
(أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء)
وقال سبحانه وتعالي:
(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)
فخلقنا برحمة الله للعبادة بعلم ومعرفة، وثمرة العلم العبادة:
(إنما يخشي الله من عباده العلماء)
وإنما الدنيا دار امتحان، والغاية منه تكميل النفوس وتقربها إلي بارئها، فإلي الله المنتهي، وإن الإنسان كادح إلي ربه كدحا فملاقيه، فإنا لله وإنا إليه راجعون
والمعرفة لا تكون نصيب النفوس المنافقة والمريضة الرجسة والمتلونة بالذنوب والمعاصي والصفات الرذيلة، بل لا بد من قلب زكي نقي طاهر لا فساد فيه ولا مرض، ...وما أرسل الرسل وبعث الأنبياء وأنزل الكتب، إلا لتعميق وترسيخ هذه المعرفة، وتركيز الحب الإلهي والعشق الرباني الصمداني في النفوس الطاهرة والأرواح الزكية"
وما قاله العلوى هنا الخطأ فيه أنه لا يفرق بين نوعين من المعرفة فالمعرفة وهى العلم نصيب كل من وصله الوحى من الناس مسلم وكافر ومنافق والفارق هو أن هؤلاء يعملون بالعلم وهو الوحى وهؤلاء يعصونه وهم لم يختلفوا فى الدين إلا بعد وصول العلم وهو الوحى لهم كما قال تعالى:
"وأتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم"
وحدثنا عن فضل العلم والعبادة فقال :
"فضل العلم و العبادة
أجل: العلم والعبادة جوهران لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما بينهما، ولأجلهما انزلت الكتب من السماء وارسلت الرسل، فهما كل شيء، ولولاهما لكان الإنسان كالأنعام بل أضل سبيلا، ولكان قلبه كالحجارة بل أشد قسوة فحقيق علينا وعلي كل إنسان فهم الحياة وكشف سر الخلقة، أن لا يشتغل إلا بهما، ولا ينظر إلا فيهما، فما سواهما لغو لا حاصل له ولمثل هذا يقول الإمام السجاد : (لو علمتم ما في طلب العلم لطلبتموه ولو بسفك المهج وخوض اللجج) هذا في مقدار وكيفية السعي، وأما في الزمان فقد قال أمير المؤمنين : (اطلب العلم من المهد إلي اللحد) أي طيلة الحياة، وأما في المكان فقد قال النبي الأكرم(ص) : (اطلبوا العلم ولو في الصين) كناية عن البعد المكاني
وأشرف الجوهرين: العلم، فقد جاء في الكافي عن مولانا الباقر : (عالم ينتفع بعلمه ـ هو ينتفع من علمه كما أن الناس ينتفعون من علمه ـ أفضل من سبعين ألف عابد)"
والرجل يفرق بين العلم والعبادة وهو كلام خاطىء فلا عبادة بلا علم وإلا كانت كفرا فلو كان الاثنين متفرقين لكان معنى ذلك أن الكفار مسلمين لأنهم كلهم يدعى عبادة الله سواء كان توحيدا خاطئا أو يعبد الله ضمن الآلهة المتعددة
العبادة مبنية على العلم ومن ثم عندما يقول الله عالم يقصد عابد وعندما يقول عابد يقصد عالم
والأحاديث التى ذكرها لا تصح نسبتها للنبى(ص) والغريب أنه عاد لمعنى العبادة الصحيح بالحديث عن العمل المترتب على العمل فقال :
"فلا بد للعلم من عمل وعبادة، وهذا معني العلم النافع والانتفاع به وأن ثمرة العلم العبادة، وإلا كان العلم هو الحجاب الأكبر، ولم يزدد صاحبه من الله إلا بعدا ـ كما ورد في الخبر ـ فالعلم بلا عمل كليلة بلا قمر ـ كناية عن الظلام والظلمة ـ وإن العلم بمنزلة الشجرة اليانعة، والعمل والعبادة بمنزلة ثمرة من ثمراتها، فالشرف للشجرة، إذ هي الأصل، لكن الانتفاع بثمرتها، فلا بد أن يكون لنا من كلا الأمرين حظ ونصيب ـ فمن أخذ أخذ بحظ وافر ـ وإن العلم علم الدين والباقي فضل: (إنما العلم ثلاث: آية محكمة ـ علم العقائد ـ وفريضة عادلة ـ علم الفقه ـ وسنة قائمة ـ علم الكلام ـ وما سواهن فهو فضل) فعلم الدين فريضة علي كل مسلم ومسلمة، وبالعلم يكون الإيمان، والعبادة الصحيحة إنما تورث في القلب صفاء يجعله مستعدا لحصول نور فيه، وليس العلم بكثرة التعلم، ...فثمرة العلم الطاعة والعبادة، وإن العلم أمام العمل، والعمل تابعه"
وحدثنا عن أقسام العبادة فقال :
"أقسام العبادة:
اعلم أن العبادة في كيفيتها علي قسمين:
1 ـ العبادة الظاهرة
التي هي من تقوي الجوارح والأبدان، كفعل الطاعات الظاهرة، كالصلاة والصوم والحج والزكاة وغير ذلك من العبادات والمعاملات، وترك المعاصي الواضحة كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك مما يوجب دخول النار ويسمي العلم المتعلق بذلك: علم الشريعة وعلم الفقه
2 ـ العبادة الباطنة
التي هي من تقوي القلوب والأرواح، وإذا صلح القلب صلحت الجوارح، فإن القلب سلطان البدن، والناس علي دين ملوكهم، فتقوي القلب وإصلاح السريرة والسيرة أبلغ في الوصول من العمل بالجوارح، كالتخلق بالصفات الحميدة من الإخلاص والتوكل علي الله والصبر والشكر وغير ذلك، والتجنب عن الملكات الرذيلة كالحسد والكبر والعجب والرياء وقول الزور والظلم وسمي العلم المتعلق بذلك علم السر وعلم الأخلاق
وكلتا العبادتين فريضة علي كل مسلم ومسلمة، لورود الأمر بهما جميعا في الكتاب والسنة كقوله تعاليولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)
والتكليف بكلتيهما إنما هو بقدر الوسع والطاقةلا يكلف الله نفسا إلا وسعها)
والقلوب أوعية، ولكن خيرها أوعاها، فلكل منهما درجات في الكمال والنقص وزيادة القرب من الحق بحسب اختلاف الناس درجاتهم في تحملها والعمل بها، وإن الطرق إلي الله تعالي بعدد أنفاس الخلائق ولكن الناس في العبادة علي أقسام ثلاثة ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ فمنهم من يعبد الله خوفا من ناره وعذابه، وهذا مثل عمل وعبادة العبيد، ومنهم من يعبد الله طمعا في جنته وثوابه، وهذا مثل فعل التجار، فعملهم إنما هو للربح، الأكثر فالأكثر، ومن الناس وهم أولياء الله المقربون والخلص من عباد الله، يعبدونه شوقا وحبا وشكرا علي نعمائه وآلائه، ووجدوا أن الله أهلا للعبادة
سفينة البحار عن الكافي بسنده عن أبي عبد الله قال: إن العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالي طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة وإن أولياء الله وأحباءه يحبون عبادة الله سبحانه، حتي أن أمير المؤمنين علي كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل"
والحديث السابق ليس منسوبا للنبى(ص) فالعبادة واحدة رغبة ورهبة والمنقول هو كلام الصوفية وهو منسوب لرابعة وأمثالها وأما صلاة على ألف ليلة فضرب من الخبل فاليوم مقداره 1440 دقيقة ولو قلنا الليل مثلا 800 دقيقة فلن يكفى الليل لصلاة ألف ركعة لو استغرقت الركعة فى الصلاة الحالية دقيقة مع أنها تستغرق أكثر من دقيقتين أو ثلاث بحركاتها وقراءة الفاتحة إلا أن تكون تمرينا رياضيا تم التمرن عليه تمرينا كثيرا
ثم نقل روايات أخرى مفرقة بين العالم والعابد فقال :
"قال أمير المؤمنين : قليل العمل مع كثير العلم خير من كثير العمل مع قليل العلم والشك والشبهة
عن أبي عبد الله قال: عالم أفضل من ألف عابد ومن ألف زاهد وقال: عالم ينتفع بعلمه أفضل من عبادة سبعين ألف عابد
والروايات في فضل العالم علي العابد كثيرة فلا بد للعالم من عبادة وللعابد من علم، وإنما يحلق الإنسان في سماء المكارم والفضائل ويصل إلي قمة الكمال والجمال بالعلم والعبادة
قال الراغب في مفرداته ما ملخصه: إن العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأ نها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الأفضال وهو الله تعالي، ولهذا قالألا تعبدوا إلا إياه)"
وقسم العلوى العبادة تقسيما أخر فقال :
والعبادة ضربان:
عبادة بالتسخير ـ أي عبادة تكوينية ـ كسجود الحيوانات والنباتات والظلال، قال الله تعالي:
(ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال)
فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنتبهة علي كونها مخلوقة وأ نها خلق فاعل حكيم
والضرب الثاني عبادة بالاختيار ـ عبادة تشريعية ـ وهي لذوي النطق، وهي المأمور بها في نحو قوله تعالي: (اعبدوا ربكم)"
ثم قسم العبيد إلى أربعة فقال :
"والعبد يقال علي أربعة أضرب:
الأول: عبد بحكم الشرع، وهو الإنسان الذي يصح بيعه وابتياعه نحو العبد بالعبد
الثاني: عبد بالإيجاد، وليس إلا لله، قال تعالي:
(إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا)
الثالث: عبد بالعبادة والخدمة، والناس في هذا ضربان: عبد لله مخلصا، كقوله تعالي: (وعباد الرحمن)، (إن عبادي)، (عبدنا أ يوب)، (عبدا شكورا)، ونحو ذلك، وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف علي خدمتها ومراعاتها، قال النبي : تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار
وعلي هذا النحو يصح أن يقال: ليس كل إنسان عبدا لله، فإن العبد علي هذا بمعني العابد، لكن العبد أبلغ من العابد، والناس كلهم عباد الله، بل الأشياء كلها كذلك، لكن بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار"
وهنا ذكر أربعا كعدد ولم يقل سوى ثلاثة بالفعل فى الفقرة ثم ذكر أن قيمة الفرد بالعلم فقال :
ثم كما ورد في الأخبار: أكثر الناس قيمة أكثرهم علما، وأقل الناس قيمة أقلهم علما، وقيمة كل امرئ ما يحسنه من العلم والمعرفة، ومن سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلي الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضي به، وإنه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتي الحوت في البحر، وفضل العالم علي العابد كفضل القمر علي سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ..."
والخطأ نزول الملائكة الأرض وهو ما يناقض وجودها فى السماء لأنها تخاف من نزول الأرض فلا تمشى مطمئنة فيها لو نزلت وفى هذا قالت "قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "وقال بسورة النجم "وكم من ملك فى السموات "
...عن الصادق قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء علي دماء الشهداء ...."
والخطأ مساواة العلماء بالشهداء فى يوم القيامة ويخالف هذا أن أهل الجهاد أفضل درجة من غيرهم وفى هذا قال تعالى "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ".
وعاد الرجل للحديث عن سشر الخليقة فقال :
سر الخليقة الكمال والتكامل
فالغاية والمقصود من المخلوقات (هو إيصال كل واحد إلي كماله) وقد ورد عن الإمامين الصادقين
(الكمال كل الكمال: التفقه في الدين والصبر علي النائبة والتقدير في المعيشة)
وهذا يعني أن كمال الإنسان في كل أبعاده، العلمي والعملي، والفردي والاجتماعي، المادي والمعنوي، إنما هو في حركات ثلاثة، واستفدنا الحركة من قوله : (الكمال كل الكمال)، فإن الكمال فيما سوي الله سبحانه لازمه الحركة، وأما في الله سبحانه فإنه الثابت فلا يتصف بالحركة والسكون، فكمال الإنسان في حركات ثلاثة:
1 ـ الحركة العلمية (التفقه في الدين) فإن الفقه بمعني الفهم وهو يرادف العلم أو يلازمه
2 ـ الحركة الأخلاقية (الصبر علي النائبة) فإن أساس الأخلاقيات هو الصبر والفرد الشاخص له هو الصبر علي النائبة
3 ـ الحركة الاقتصادية (التقدير في المعيشة) فيكون عيشه بقدر معلوم من دون إفراط وتفريط، فيراعي الجانب الاقتصادي في حياته"
وكمال الإنسان يتخلص فى علمه وعمله الصالح وهو ما كرره الله بالحديث عن الإيمان والعمل الصالح من اخلال تكرار عبارة " الذين آمنوا وعملوا الصالحات"
المؤلف عادل العلوى والكتاب يدور حول سبب خلق الله للكون ويستهله الرجل بالحديث عن أن الإنسان مهما بلغ من العلوم فى الأرض والسموات فهو يدور داخل نفسه وأن علمه مهما كثر قليل وفى هذا قال :
"مهما بلغ الإنسان في سير تقدمه العلمي وتمدنه الحضاري المزدهر بأحدث الصناعات والتكنولوجيا، فإنه لا يزال يدور في فلك من المجهولات الآفاقية والأنفسية، فلو تسلق سلم العلوم والفنون وسخر الفضاء والقمر، فإنه لا يكاد يري نفسه إلا في بداية الطريق، وأن معلوماته وما كشفه ليست إلا كالقطرة أمام البحر الهائج من مجهولات الكون وأسراره، ولو وضع جهله تحت أقدامه لنطح رأسه السماء السابعة، ولا زالت جبال المجهولات لم تفتح قممها الشامخة التي تعلو السحاب، فإنه ما اوتيتم من العلم إلا قليلا، وفوق كل ذي علم عليم"
وتحدث عن حب الإنسان للتفكير الذى يبنى عليه كشف الحقائق فقال :
"ولكن مهما كان من الأمر فإن الإنسان خلق مفطورا علي التفكير، وقد أودع الله سبحانه فيه حب الاستطلاع وكشف الحقائق وفك رموز أسرار الحياة، فهو بجبلته لحكمة ربانية، يمتاز بالطموح والعمل الدؤوب المتواصل، يبحث دوما عن المجهولات الكونية، ليكشفها ويرفع القناع والستار عن حقيقتها وذاتها، فلا يفتر في طلب العلم، وإنه يسفك المهج ويخوض اللجج من أجله"
ثم حدثنا أن المجهول الأعظم عند الإنسان هو سر الحياة وفلسفة الخلقة فقال:
"ومن أعظم وأكبر مجهولاته، والذي ساير موكب البشرية منذ البداية وإلي يومنا هذا وغدا، هو أن يكشف سر الحياة وفلسفة الخلقة والهدف من هذا الكون الرحب، فما هي فلسفة الحياة؟!"
والحقيقة أن سر الحياة ليس سرا فهو معلن فى القرآن والحقيقة ألأخرى أن معظم الناس لا يفكرون فى المسألة فهذه المسألة تهم إما من يدعو للدين أو من يشك فيه وحدثنا عن خلاصة الأقوال فى الموضوع مكبرا الموضوع ومهولا إياه رغم بساطته ووضوحه فقال :
"خلاصة الأقوال:
مهما تعمق الباحث عن الحقيقة في هذا السؤال الرهيب، فإنه يري نفسه قد انغمر في بحار متلاطمة الأمواج، بعيدة الغور والمدي، وبلا ساحل يرتجي ...فأقول مقدمة: إن الإنسان منذ أن خلق وعرف نفسه، فإنه يسأل عن علة وجوده وحكمة خلقه وفلسفة حياته، ومن ثم ما هو الهدف والغاية من خلقة هذا الكون العظيم الدقيق ...؟ ولماذا هذه الدنيا التي شحنت بألوان الشقاء والعذاب والأهوال والأحداث كالزلازل والفيضانات والحروب، وكثير من الناس يشعر بالتعاسة والبؤس والحرمان؟!"
وبعد طرح السؤال عن سبب الخلق زودنا بوجهة النظر الخاطئة الأولى وهى أننا مخلوقون للتزود بالمتع الدنيوية فقال :
"قد اختلف الجواب عن ذلك، فمن كان متوغلا في الملاذ والشهوات وتغلبت عليه القوة البهيمية، وجذبته المادة وزخارف العيش، يجيب عن السؤال: بأنه خلقنا للأكل والشرب والتزود من الملذات الدنيوية، وأن السعيد من حاز علي نصيب أوفر منها فإنهم لم يؤمنوا بالمعاد وبحياة اخري، كما قال الله تعالي في كتابه الكريم عن لسانهم:
(وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون)
(والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوي لهم) "
وأما وجهات النظر الأخرى فالبعض السبب خلقنا للشفاء والوجهة الثانية خلقنا للسعادة وهو قوله:
"ومنهم من يجيب أنه خلقنا للشقاء، فإن الحياة كلها شقاء ونصب وتعب، ومنهم من يقول: خلق بعضنا للسعادة والبعض الآخر للشقاء، وهذا رأي الأشاعرة"
ورد الرجل تلك الوجهات فقال :
" وهذا كله من الجهل والرجم بالغيب"
ثم نمقل وجهات نظر أخرى تقول:
" وقال بعض المتكلمين: إن التكليف من الله سبحانه هو وجه الحكمة الذي لأجله حسن من الله تعالي خلق العالم بما فيه من إنسان وحيوان ونبات وجماد، فالله سبحانه خلق كل شيء للإنسان وخلق الإنسان ليكلفه ثم يثيبه، فإن الثواب هو العطاء الاستحقاقي والنفع المستحق علي الله تعالي علي سبيل التعظيم والإجلال ولا يكون إلا للمكلفين، كثمرة التكليف حسب استحقاقهم ذلك وقال بعضهم: خلق الله الخلق لأن الأمر أمره، والملك ملكه، ولا ينفعهم ولا يضرهم، ولا لوجه يخرج به عن كونه عبثا وقال آخر: خلق الله الخلق لإظهار قدرته وقوته، فبعض الخلق للنار، وبعض للجنة وذهب بعض الحكماء: إلي أن الخلق لا لغرض أعلي من صدوره لغرض، لما فيه من احتمال النقص لو صدر لغرض وعند بعض الفلاسفة خلاف ذلك بأن الخلق لا لغرض هو الذي يدل علي النقص"
وحدثنا عن أن وجهة النظر السليمة هى قول الأمامية وهى خلق الله الأشياء من أجل الإنسان فقال :
"القول السليم:
والرأي الصائب كما هو معتقد الإمامية: إنما خلق الله الأشياء من أجل الإنسان:
(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا)
وخلق الإنسان من أجل تكامله، فخلقنا لنتكامل ونتزود بالعلم والمعرفة والتقوي لنيل النعيم الأبدي، وليكون الإنسان خليفة الله في ظهور أسمائه الحسني وصفاته العليا، فخلقنا من الرحمة الإلهية ونشأنا بالرحمة، ونرجع بالعلم والعبادة إلي رحمة الله تعالي، ..."
وبالقطع ما نقله ليس صحيحا تماما فكتب المسلمين من كل الفرق فيها الحقيقية وهى :
أن الكون خلق لابتلاء الناس أيهم أحسن عملا وفى هذا قال سبحانه :
"الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
وحدثنا حديثا فلسفيا على انقسام المعانى فقال :
"توضيح ذلك: أن المعاني والمفاهيم علي قسمين: إما حقيقية ـ كالإنسان والحيوان ـ بحيث لا يتوقف تصورها وتعقلها علي معان اخري، وإما إضافية ـ أي بالإضافة إلي الغير ـ فإن تعقلها وتصورها يتوقف علي معان اخري كالعلم والعشق، حيث العلم رابط بين العالم والمعلوم، وإنما نتصور العشق بعد تصور العاشق والمعشوق والخلق مصدر من (خلق، يخلق، خلقا) يتوقف تصوره علي معني الخالق والمخلوق فهو رابط بينهما والحاصل منهما، فإذا أردنا أن نقف علي سر الخلق والخليقة فلا بد أن نتصور سر الخالق وسر المخلوق، وبعبارة اخري سر العلة الاولي والمسمي بعلة العلل وهو واجب الوجود لذاته، وسر المعلول، وهو ما سوي الله سبحانه وتعالي وهو ممكن الوجود لذاته، فإن الله سبحانه وتعالي علي حسب تعبير فلاسفة المشاء هو علة العلل، وما سواه المعلولات وإن كانت بعضها لبعض عللا"
وهذا الكلام لا لزوم الله فالمسألة أبسط من تمحكات وتقاسيم الفلاسفة الذى عاد له فقال :
"وربما يقال: إن الله سبحانه فوق أن يوصف بذلك، فهو خالق العلة والمعلول فكيف يتأطر بمخلوقه ويدخل ضمن نظام العلة والمعلول، كما يلزم قدم العالم بقدم علته، إذ لا انفكاك بين العلة والمعلول، فيلزم أن يكون موجبا ويسلب منه القدرة والاختيار، وكيف يكون ذلك؟ فإن لازمه نفي الذات، فإن القدرة عينها، فلا بد من معرفة الخالق والمخلوق حتي نشرف علي سر الخلق .."
وتحدث عن سر الخالق مبينا أنه لا يقصد الذات وإنما التفكير فى الأسماء والصفات مدعيا النهى عن الأولى والمر بالثانية فقال :
"سر الخالق:
ربما يقال لا يمكن معرفة سر الخالق، إذ الإنسان الممكن الفقير في وجوده وبقائه إنما هو محاط بعلم الله وقدرته، فإن الله هو المحيط العليم القدير، فكيف المحاط يدرك المحيط، وكيف بالإنسان يدرك سر الله سبحانه في خالقيته؟ فإنه يستحيل ذلك ولكن الحديث ليس في ذات الله وسر كنهه حتي يلزم الضلال والحيرة والكفر، لأنا نهينا أن نفكر في ذات الله سبحانه، وإنما أمرنا أن نفكر في صفاته وأسمائه، ...."
ولا يوجد دليل على ما ذهب إليه الرجل فالله لم ينهانا عن التفكير ولم يأمرنا بالتفكير فى الأسماء والصفات لسبب بسيط وهو أن الله عرفنا نفسه فى القرآن فقال " ليس كمثله شىء" و" هل تعلم له سميا"وذكر لنا ما يتعلق به من علم وقدرة ورحمة وغير هذا من خلال الآيات ومن ثم فالتفكير فيه بعد كل تلك الآيات مخالفة للكتاب نفسه لأن التفكير يكون فى المجهول وليس فى المعلوم
وضرب العلوى لنا أمثلة فقال :
"والله المطلق في صفاته الثبوتية الذاتية والفعلية سبحانه وتعالي، من كماله المطلق: أن تتجلي صفاته في مصنوعاته ومخلوقاته، فإن من يجيد هندسة الطائرة النفاثة إنما تظهر جودته وكماله في هندسته، لو صنع لنا الطائرة، وفاق أقرانه في إيجادها وإتقانها وطيرانها فلولا الصنع لما عرفنا كماله، ومن الوجدانيات ـ والوجداني من البديهيات ـ أن من يملك الصوت الجميل مثلا، فإنه يحاول بين الأقران والأخلاء أن يغرد ويظهر صوته، فيتغني ويترنم، ...فمقتضي الكمال وطبيعته الذاتية أن يظهر نفسه، فهو الظاهر بنفسه والمظهر لغيره كالنور ولما كان الله سبحانه مطلق الكمال ...فيظهر علمه وقدرته وحياته وأسمائه الحسني في مخلوقاته ومصنوعاته، الأقرب فالأقرب، والصادر الأول منه الذي يحمل أسماء الله وصفاته علي وجه أتم، وهو الإنسان الجامع والذي يعبر عنه بالحقيقة المحمدية "
والأخطاء فى الفقرة عدة أولها أن شبه الله بالناس المخترعين والمغنيين الذين يريدون الشهرة باظهار قدراتهم والله لو صدقنا كلام العلوى فى هذا لكان معناه أن فقير إلى الشهرة التى يسمونه المعرفة وبهذا يكون به عيب ونقص تعالى عن ذلك وهو حاجة أن يعرفه خلقه وقد استدل العلوى على هذا بحديث منكر فقال :
"ورد في الحديث القدسي عن الله سبحانه: (كنت كنزا مخفيا فخلقت الخلق لكي اعرف)، فخلق ليظهر قدرته كما ورد في الحديث الشريف ـ كما سنذكره "
وكما سبق القول الحديث لم يقله النبى(ص) لأنه اتهام الله بالحاجة إلى غيره وهى معرفتهم إياه كما يتعارض مع سبب الخلق فى القرآن وهو " ليبلوكم أيكم أحسن عملا"
وكالعادة عند أهل كل مذهب فى مدح أنفسهم جعل أئمته هم العارفون سر الخالق بينما غيرهم جهلة فقال :
"فالخلق مظهر لأسماء الله وصفاته وإنما يقف علي كنه هذه الحقيقة وسرها الأنبياء والأوصياء والأولياء الأمثل فالأمثل، كما جاء في زيارة الجامعة في زيارة الأئمة المعصومين (السلام علي حملة سر الله)، فأهل البيت هم حملة الأسرار وهم أدري بما في البيت، فلا نطرق باب سر الخالق أكثر من أن نقول ـ إن صح التعبير والقول ـ: إن الله سبحانه هو الكمال المطلق، ومن كمال كماله أن يتجلي ويظهر في كل شيء كما يقول أمير المؤمنين : (ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله قبله ومعه وبعده)، وقد ورد في دعاء سحر شهر رمضان: (اللهم إني أسألك من كمالك بأكمله وكل كمالك كامل، اللهم إني أسألك بكمالك كله)، وأن الله جميل ويحب الجمال، ومن جماله أن يظهر جماله (اللهم إني أسألك من جمالك بأجمله وكل جمالك جميل، اللهم إني أسألك بجمالك كله)"
وما نقله الرجل يتعارض مع إبلاغ وهو إعلام النبى(ص) الوحى للناس فى عصره فهو بهذه الفرية معرفة على والأئمة فقط يقول لنا أن النبى(ص) لم يعلم الناس الوحى كاملا وهو ما يخالف أنه أطاع أمر الله فبلغ الوحى كما قال:
" هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة"
وحدثنا عن سر المخلوق فقال :
"سر المخلوق في القرآن و السنة
هذا و إنما نطلق العنان في سر المخلوق، فإن الله سبحانه خلق السماوات والأرض وما بينهما من أجل الإنسان كما في قوله تعالي:
(وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض)
وجاء في الحديث القدسي في خطاب الله سبحانه للإنسان: (خلقت الأشياء من أجلك، وخلقتك من أجلي)
فإن الله جل جلاله خلق الكائنات وما في الطبيعة وما وراءها من أجل الإنسان، وخلق الإنسان ذلك الكائن الذي لا يزال مجهولا من أجله سبحانه، فهو خليفة الله في الأرض:
(إني جاعل في الأرض خليفة) "
وما قاله الرجل خطأ فالله لم يقل أنه خلق الكون من أجل الإنسان وإنما سخر له ما فى الكون فهناك فارق فلو كان مخلوقا من أجل الإنسان فلماذا يعذب الكفار إذا؟
ويحدثنا العلوى عن أن سر الخلق وفلسفة الحياة في حقائق ثلاثة: الرحمة والعلم والعبادة فيقول:
"والقرآن الكريم الذي يهدي للتي هي أقوم يلخص لنا سر الخلق وفلسفة الحياة في حقائق ثلاثة: الرحمة والعلم والعبادة
آية الرحمة:
قال الله تعالي:
(ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)
آية العلم:
وقال سبحانه:
(الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله علي كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما)
آية العبادة:
وقال جل جلاله:
(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)
وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق في قوله: (إلا ليعبدون) أي: إلا ليعرفون، فإن العبادة لا تتم ولا تصح إلا بعد المعرفة، فما خلق الجن والإنس إلا ليعرفوه وإذا عرفوه عبدوه، فهو من باب إطلاق السبب علي المسبب"
وما قاله الرجل هنا عن سر الخلق خطأ فلو كان الكون مخلوقا للناس ما رحم بعضهم كما تقول الآية الأولى وعذب الآخرين وهم الكثرة وأما العلم بقدرة الله وعلمه فليس هو الهدف من الخلق لأن الآية لا تتحدث عن السبب وتخبرنا بالخلق والوحى وأما آية أو آيات السبب الصريحة الواضحة فهى :
" الذى خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم أحسن عملا"
وقال :
"إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا"
والآية الثالثة لا تتحدث عن خلق الكون وإنما تتحدث عن سبب خلق الناس وهو عبادة الله وهناك فارق بين خلق الكون وخلق الناس
ونقل الرجل لنا من بطون الكتب نقولا فى الموضوع هى :
"في كتاب تحف العقول عن الإمام أبي جعفر الباقر قال: (لا يقبل عمل إلا بمعرفة، ولا معرفة إلا بعمل، ومن عرف دلته معرفته علي العمل، ومن لم يعرف فلا عمل)"
القول لا علاقة له بسبب الخلق والقول الثانىهو:
وجاء في علل الشرائع بسنده عن أبي عبد الله قال: خرج الحسين ابن علي علي أصحابه فقال: أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل: يا ابن رسول الله، بأبي أنت وامي، فما معرفة الله؟ قال : معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته
قال مصنف الكتاب الشيخ الصدوق: يعني بذلك أن يعلم أهل كل زمان أن الله هو الذي لا يخليهم في كل زمان عن إمام معصوم، فمن عبد ربا لم يقم لهم الحجة، فإنما عبد غير الله عز وجل
وإن الأئمة الأطهار ـ كما هو ثابت في محله ـ هم باب الله الذي منه يؤتي، ولولاهم لما عرف الله سبحانه، وإنهم السبب المتصل بين السماء والأرض، ووجه الله الذي يتوجه إليه الأولياء "
والقول السابق وشروحه يخالف القرآن لأنه جعل معرفة الله هى معرفة واحد من خلقه هو الإمام المعصوم ولامعصوم فى الإسلام لأن الكل يرتكب ذنوب حتى الرسل(ص) كما قال تعالى :
"واستغفر لذنبك" وحتى الملائكة اعترضت على خلق آدم (ص)
والقول الثالث يخالف القول الثانى فى كون السبب معرفة الله بمعرفة الإمام فيقول أن السبب خلقهم لإظهار قدرته وهو :
"عن ابن عمارة عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد فقلت له: لم خلق الله الخلق؟ فقال: إن الله تبارك وتعالي لم يخلق خلقه عبثا، ولم يتركهم سدي، بل خلقهم لإظهار قدرته، وليكلفهم طاعته فيستوجبوا بذلك رضوانه، وما خلقهم ليجلب منهم منفعة ولا ليدفع بهم مضرة، بل خلقهم لينفعهم ويوصلهم إلي نعيم الأبد"
والقول الرابع عن الإمام الأول يخالف أقوال الأئمة بعده وهو أن السبب ربح الإنسان من الله وهو :
"في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين : يقول الله تعالي: يا بن آدم لم أخلقك لأربح عليك، إنما خلقتك لتربح علي، فاتخذني بدلا من كل شيء فإني ناصر لك من كل شيء"
والخامس يخالف ما سبق فيقول أن السبب عبادة الله وهو:
"عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: وسألته عن قول الله عز وجل: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)، قال: خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم
عن جميل بن دراج، قال: قلت لأبي عبد الله : جعلت فداك، ما معني قول الله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فقال: خلقهم للعبادة، قلت: خاصة أم عامة؟ قال: بل عامة"
ثم فسر الرجل آية العبادة بالنقل من التفاسير فقال :
"تفسير آية العبادة
جاء في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي في قوله تعالي: (إلا ليعبدون) اللام فيه للغرض، إذ أ نه استثناء من النفي، ولا ريب في ظهوره في أن للخلقة غرضا، وأن الغرض العبادة، بمعني كونهم عابدين لله، لا كونه معبودا، فقد قال: (ليعبدون) ولم يقل: (لأعبد) أو (لأكون معبودا لهم) فالعبادة غرض لخلقة الإنسان، وكمال عائد إليه، ولو كان للعبادة غرض كالمعرفة الحاصلة بها والخلوص لله، كان هو الغرض الأقصي والعبادة غرضا متوسطا ـ وربما هذا معني قول الإمام : (ليعرفون) ـ
لا يقال: كون اللام في (ليعبدون) للغرض يعارضه قوله تعالي: (لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)، فإن الظاهر كون الغرض من الخلقة الاختلاف
كما يعارض قوله تعالي: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس) فظاهره كون الغرض من خلق كثير من الجن والإنس دخول جهنم
لأنه يقال: أما الآية الاولي فالإشارة فيها إلي الرحمة دون الاختلاف، وأما الثانية فاللام للغرض لكنه غرض تبعي وبالقصد الثاني، لا كما في (ليعبدون)....."
وكل هذا الكلام فى التناقض وانعدامه سببه عدم التفرقة بين سبب خلق الناس وسبب خلق الكون فالناس خلقوا من أجل العبادة ولكن الله أعطاهم حرية الإرادة فى العبادة وعدمها وهذا هو سبب خلق الكون " ليبلوكم أيكم أيكم أحسن عملا"
فلو كان المعنى أن الناس يعبدوه ما وقع فى كونه شىء من المعصية ولكن يتحدث عن المطلوب من الناس وحدثنا عن حقيقة العبادة فقال :
"فحقيقة العبادة نصب العبد نفسه في مقام الذلة والعبودية، وتوجيه وجهه إلي مقام ربه، وهذا هو مراد من فسر العبادة بالمعرفة، يعني المعرفة الحاصلة بالعبادة
فحقيقة العبادة هي الغرض الأقصي من الخلقة، وهي أن ينقطع العبد عن نفسه وعن كل شيء ويذكر ربه الغني المحض والعزيز المطلق، فيري نفسه فقيرا مملوكا لرب العالمين، فيسلم أمره إليه، فإنه هو الضار وهو النافع والإنسان لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا حياة ولا نشورا
وأول العلم معرفة الجبار، وآخر العلم تفويض الأمر إليه، فالإنسان الكامل من كان بين المعرفة والتفويض، متزينا بالعبادة، والدعاء روح العبادة:
(قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)
وعبادتكم، فإن الدعاء مخ العبادة ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ والعبادة هي غرض الفعل، أي كمال عائد إليه لا إلي الفاعل
ويظهر من النفي والاستثناء في الآية الشريفة، الذي هو من القصر ـ كما في علم البلاغة ـ أن لا عناية لله بمن لا يعبده، كما يفيده قوله تعالي:
(قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)
وهذا يدل علي أهمية الدعاء والعبادة ولعل تقديم الجن علي الإنس في آية (ليعبدون) لسبق خلقهم علي خلق الإنس، قال تعالي:
(والجان خلقناه من قبل من نار السموم)"
وهناك فهم خاطىء للدعاء فليس هو مجرد الطب من الله كما يعتقد الكثيرون فالدعاء فى الآية المذكورة هو نفسه العبادة وأدخلنا الرجل فى متاهات علم الفلسفة والكلام بالحديث عن المعرفة والتفويض وهى كلمة معناها أنه لا خيرة للمسلم فى أى أمر قضاه الله أى أنزل فيه حكم ,أما المعانى ألأخرى له فهى خارج نطاق الإسلام والتى تعنى الاستسلام للقضاء والقدر ولا أدرى كيف يستسلم الإنسان لشىء يجهله فالاستسلام هو للمعروف من أحكام الله
ثم حدثنا عن كون معرفة الله اكتسابية ونظرية وبديهية وضرورية فقال :
ثم قد وقع نزاع بين الأعلام في علم الكلام في معرفة الله سبحانه، بأ نها اكتسابية ونظرية، أو أنها بديهية وضرورية والحق أنها من النظريات كما عند محققي المتكلمين في قولهم: إن النظر أول الواجبات علي المكلفين"
وهى مسألة لا يمكن الوصول لها بالتفكير المجرد وإنما الوصول لها عن طريق الوحى ثم حدثنا عن حث الإسلام الإنسان على التفكير فقال :
"وإن الآيات القرآنية والروايات الشريفة تحث الإنسان علي النظر والاستدلال والتعقل والتفكر والتدبر، في المعرفة بالله تعالي وتوحيده وكمال قدرته وعلمه وغاية حكمته قال الله تعالي:
(أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء)
وقال سبحانه وتعالي:
(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)
فخلقنا برحمة الله للعبادة بعلم ومعرفة، وثمرة العلم العبادة:
(إنما يخشي الله من عباده العلماء)
وإنما الدنيا دار امتحان، والغاية منه تكميل النفوس وتقربها إلي بارئها، فإلي الله المنتهي، وإن الإنسان كادح إلي ربه كدحا فملاقيه، فإنا لله وإنا إليه راجعون
والمعرفة لا تكون نصيب النفوس المنافقة والمريضة الرجسة والمتلونة بالذنوب والمعاصي والصفات الرذيلة، بل لا بد من قلب زكي نقي طاهر لا فساد فيه ولا مرض، ...وما أرسل الرسل وبعث الأنبياء وأنزل الكتب، إلا لتعميق وترسيخ هذه المعرفة، وتركيز الحب الإلهي والعشق الرباني الصمداني في النفوس الطاهرة والأرواح الزكية"
وما قاله العلوى هنا الخطأ فيه أنه لا يفرق بين نوعين من المعرفة فالمعرفة وهى العلم نصيب كل من وصله الوحى من الناس مسلم وكافر ومنافق والفارق هو أن هؤلاء يعملون بالعلم وهو الوحى وهؤلاء يعصونه وهم لم يختلفوا فى الدين إلا بعد وصول العلم وهو الوحى لهم كما قال تعالى:
"وأتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم"
وحدثنا عن فضل العلم والعبادة فقال :
"فضل العلم و العبادة
أجل: العلم والعبادة جوهران لأجلهما خلقت السماوات والأرض وما بينهما، ولأجلهما انزلت الكتب من السماء وارسلت الرسل، فهما كل شيء، ولولاهما لكان الإنسان كالأنعام بل أضل سبيلا، ولكان قلبه كالحجارة بل أشد قسوة فحقيق علينا وعلي كل إنسان فهم الحياة وكشف سر الخلقة، أن لا يشتغل إلا بهما، ولا ينظر إلا فيهما، فما سواهما لغو لا حاصل له ولمثل هذا يقول الإمام السجاد : (لو علمتم ما في طلب العلم لطلبتموه ولو بسفك المهج وخوض اللجج) هذا في مقدار وكيفية السعي، وأما في الزمان فقد قال أمير المؤمنين : (اطلب العلم من المهد إلي اللحد) أي طيلة الحياة، وأما في المكان فقد قال النبي الأكرم(ص) : (اطلبوا العلم ولو في الصين) كناية عن البعد المكاني
وأشرف الجوهرين: العلم، فقد جاء في الكافي عن مولانا الباقر : (عالم ينتفع بعلمه ـ هو ينتفع من علمه كما أن الناس ينتفعون من علمه ـ أفضل من سبعين ألف عابد)"
والرجل يفرق بين العلم والعبادة وهو كلام خاطىء فلا عبادة بلا علم وإلا كانت كفرا فلو كان الاثنين متفرقين لكان معنى ذلك أن الكفار مسلمين لأنهم كلهم يدعى عبادة الله سواء كان توحيدا خاطئا أو يعبد الله ضمن الآلهة المتعددة
العبادة مبنية على العلم ومن ثم عندما يقول الله عالم يقصد عابد وعندما يقول عابد يقصد عالم
والأحاديث التى ذكرها لا تصح نسبتها للنبى(ص) والغريب أنه عاد لمعنى العبادة الصحيح بالحديث عن العمل المترتب على العمل فقال :
"فلا بد للعلم من عمل وعبادة، وهذا معني العلم النافع والانتفاع به وأن ثمرة العلم العبادة، وإلا كان العلم هو الحجاب الأكبر، ولم يزدد صاحبه من الله إلا بعدا ـ كما ورد في الخبر ـ فالعلم بلا عمل كليلة بلا قمر ـ كناية عن الظلام والظلمة ـ وإن العلم بمنزلة الشجرة اليانعة، والعمل والعبادة بمنزلة ثمرة من ثمراتها، فالشرف للشجرة، إذ هي الأصل، لكن الانتفاع بثمرتها، فلا بد أن يكون لنا من كلا الأمرين حظ ونصيب ـ فمن أخذ أخذ بحظ وافر ـ وإن العلم علم الدين والباقي فضل: (إنما العلم ثلاث: آية محكمة ـ علم العقائد ـ وفريضة عادلة ـ علم الفقه ـ وسنة قائمة ـ علم الكلام ـ وما سواهن فهو فضل) فعلم الدين فريضة علي كل مسلم ومسلمة، وبالعلم يكون الإيمان، والعبادة الصحيحة إنما تورث في القلب صفاء يجعله مستعدا لحصول نور فيه، وليس العلم بكثرة التعلم، ...فثمرة العلم الطاعة والعبادة، وإن العلم أمام العمل، والعمل تابعه"
وحدثنا عن أقسام العبادة فقال :
"أقسام العبادة:
اعلم أن العبادة في كيفيتها علي قسمين:
1 ـ العبادة الظاهرة
التي هي من تقوي الجوارح والأبدان، كفعل الطاعات الظاهرة، كالصلاة والصوم والحج والزكاة وغير ذلك من العبادات والمعاملات، وترك المعاصي الواضحة كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك مما يوجب دخول النار ويسمي العلم المتعلق بذلك: علم الشريعة وعلم الفقه
2 ـ العبادة الباطنة
التي هي من تقوي القلوب والأرواح، وإذا صلح القلب صلحت الجوارح، فإن القلب سلطان البدن، والناس علي دين ملوكهم، فتقوي القلب وإصلاح السريرة والسيرة أبلغ في الوصول من العمل بالجوارح، كالتخلق بالصفات الحميدة من الإخلاص والتوكل علي الله والصبر والشكر وغير ذلك، والتجنب عن الملكات الرذيلة كالحسد والكبر والعجب والرياء وقول الزور والظلم وسمي العلم المتعلق بذلك علم السر وعلم الأخلاق
وكلتا العبادتين فريضة علي كل مسلم ومسلمة، لورود الأمر بهما جميعا في الكتاب والسنة كقوله تعاليولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن)
والتكليف بكلتيهما إنما هو بقدر الوسع والطاقةلا يكلف الله نفسا إلا وسعها)
والقلوب أوعية، ولكن خيرها أوعاها، فلكل منهما درجات في الكمال والنقص وزيادة القرب من الحق بحسب اختلاف الناس درجاتهم في تحملها والعمل بها، وإن الطرق إلي الله تعالي بعدد أنفاس الخلائق ولكن الناس في العبادة علي أقسام ثلاثة ـ كما ورد في الخبر الشريف ـ فمنهم من يعبد الله خوفا من ناره وعذابه، وهذا مثل عمل وعبادة العبيد، ومنهم من يعبد الله طمعا في جنته وثوابه، وهذا مثل فعل التجار، فعملهم إنما هو للربح، الأكثر فالأكثر، ومن الناس وهم أولياء الله المقربون والخلص من عباد الله، يعبدونه شوقا وحبا وشكرا علي نعمائه وآلائه، ووجدوا أن الله أهلا للعبادة
سفينة البحار عن الكافي بسنده عن أبي عبد الله قال: إن العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالي طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة وإن أولياء الله وأحباءه يحبون عبادة الله سبحانه، حتي أن أمير المؤمنين علي كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل"
والحديث السابق ليس منسوبا للنبى(ص) فالعبادة واحدة رغبة ورهبة والمنقول هو كلام الصوفية وهو منسوب لرابعة وأمثالها وأما صلاة على ألف ليلة فضرب من الخبل فاليوم مقداره 1440 دقيقة ولو قلنا الليل مثلا 800 دقيقة فلن يكفى الليل لصلاة ألف ركعة لو استغرقت الركعة فى الصلاة الحالية دقيقة مع أنها تستغرق أكثر من دقيقتين أو ثلاث بحركاتها وقراءة الفاتحة إلا أن تكون تمرينا رياضيا تم التمرن عليه تمرينا كثيرا
ثم نقل روايات أخرى مفرقة بين العالم والعابد فقال :
"قال أمير المؤمنين : قليل العمل مع كثير العلم خير من كثير العمل مع قليل العلم والشك والشبهة
عن أبي عبد الله قال: عالم أفضل من ألف عابد ومن ألف زاهد وقال: عالم ينتفع بعلمه أفضل من عبادة سبعين ألف عابد
والروايات في فضل العالم علي العابد كثيرة فلا بد للعالم من عبادة وللعابد من علم، وإنما يحلق الإنسان في سماء المكارم والفضائل ويصل إلي قمة الكمال والجمال بالعلم والعبادة
قال الراغب في مفرداته ما ملخصه: إن العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأ نها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الأفضال وهو الله تعالي، ولهذا قالألا تعبدوا إلا إياه)"
وقسم العلوى العبادة تقسيما أخر فقال :
والعبادة ضربان:
عبادة بالتسخير ـ أي عبادة تكوينية ـ كسجود الحيوانات والنباتات والظلال، قال الله تعالي:
(ولله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال)
فهذا سجود تسخير، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنتبهة علي كونها مخلوقة وأ نها خلق فاعل حكيم
والضرب الثاني عبادة بالاختيار ـ عبادة تشريعية ـ وهي لذوي النطق، وهي المأمور بها في نحو قوله تعالي: (اعبدوا ربكم)"
ثم قسم العبيد إلى أربعة فقال :
"والعبد يقال علي أربعة أضرب:
الأول: عبد بحكم الشرع، وهو الإنسان الذي يصح بيعه وابتياعه نحو العبد بالعبد
الثاني: عبد بالإيجاد، وليس إلا لله، قال تعالي:
(إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا)
الثالث: عبد بالعبادة والخدمة، والناس في هذا ضربان: عبد لله مخلصا، كقوله تعالي: (وعباد الرحمن)، (إن عبادي)، (عبدنا أ يوب)، (عبدا شكورا)، ونحو ذلك، وعبد للدنيا وأعراضها وهو المعتكف علي خدمتها ومراعاتها، قال النبي : تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار
وعلي هذا النحو يصح أن يقال: ليس كل إنسان عبدا لله، فإن العبد علي هذا بمعني العابد، لكن العبد أبلغ من العابد، والناس كلهم عباد الله، بل الأشياء كلها كذلك، لكن بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار"
وهنا ذكر أربعا كعدد ولم يقل سوى ثلاثة بالفعل فى الفقرة ثم ذكر أن قيمة الفرد بالعلم فقال :
ثم كما ورد في الأخبار: أكثر الناس قيمة أكثرهم علما، وأقل الناس قيمة أقلهم علما، وقيمة كل امرئ ما يحسنه من العلم والمعرفة، ومن سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا إلي الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضي به، وإنه ليستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الأرض حتي الحوت في البحر، وفضل العالم علي العابد كفضل القمر علي سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء ورثة الأنبياء، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر ..."
والخطأ نزول الملائكة الأرض وهو ما يناقض وجودها فى السماء لأنها تخاف من نزول الأرض فلا تمشى مطمئنة فيها لو نزلت وفى هذا قالت "قل لو كان فى الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا "وقال بسورة النجم "وكم من ملك فى السموات "
...عن الصادق قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء علي دماء الشهداء ...."
والخطأ مساواة العلماء بالشهداء فى يوم القيامة ويخالف هذا أن أهل الجهاد أفضل درجة من غيرهم وفى هذا قال تعالى "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة ".
وعاد الرجل للحديث عن سشر الخليقة فقال :
سر الخليقة الكمال والتكامل
فالغاية والمقصود من المخلوقات (هو إيصال كل واحد إلي كماله) وقد ورد عن الإمامين الصادقين
(الكمال كل الكمال: التفقه في الدين والصبر علي النائبة والتقدير في المعيشة)
وهذا يعني أن كمال الإنسان في كل أبعاده، العلمي والعملي، والفردي والاجتماعي، المادي والمعنوي، إنما هو في حركات ثلاثة، واستفدنا الحركة من قوله : (الكمال كل الكمال)، فإن الكمال فيما سوي الله سبحانه لازمه الحركة، وأما في الله سبحانه فإنه الثابت فلا يتصف بالحركة والسكون، فكمال الإنسان في حركات ثلاثة:
1 ـ الحركة العلمية (التفقه في الدين) فإن الفقه بمعني الفهم وهو يرادف العلم أو يلازمه
2 ـ الحركة الأخلاقية (الصبر علي النائبة) فإن أساس الأخلاقيات هو الصبر والفرد الشاخص له هو الصبر علي النائبة
3 ـ الحركة الاقتصادية (التقدير في المعيشة) فيكون عيشه بقدر معلوم من دون إفراط وتفريط، فيراعي الجانب الاقتصادي في حياته"
وكمال الإنسان يتخلص فى علمه وعمله الصالح وهو ما كرره الله بالحديث عن الإيمان والعمل الصالح من اخلال تكرار عبارة " الذين آمنوا وعملوا الصالحات"